الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الخلاف في قتل الرهبان]

                                                                                                                                                                                        والرهبان على وجهين ؛ فمن بان بنفسه في الصوامع والديارات ؛ لم يعرض له بقتل ولا بأسر ولا باسترقاق .

                                                                                                                                                                                        قال مالك في كتاب محمد : ولا ينزل من صومعته . لأنه لا يقاتل ، ولا يكاد يستشار .

                                                                                                                                                                                        واختلف في أموالهم ، فقال مالك في المدونة : يترك لهم ما يعيشون به . ولا تؤخذ أموالهم كلها ، فلا يجدون ما يعيشون به ، فيموتون .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : أما ما لا يشبه أن يكون للرهبان ؛ فلا يترك ، ولا يصدق الراهب في مثل هذا . قال مالك : ويترك له مثل البقرتين والغنيمات ، وما مثله يكفيه ، والمبقلة والنخيلات ، ويؤخذ ما بقي ويحرق . وأما ما يشبه أن يكون [ ص: 1356 ] له ؛ فيصدق فيه ، ويترك له .

                                                                                                                                                                                        وهذا أحسن ، أن يترك له كل ما علم أنه ملك له ، وإن عظم وكثر . فأما ما لا يعلم ؛ فلا يترك له ؛ لأن أهل دينه يولجون عنده ، والغالب في الراهب التقلل ، فإذا لم يعرض له في نفس ؛ لم يعرض له في مال .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في العتبية في أموال الرهبان وعبيدهم وزروعهم : إن علم أن ذلك لهم فلا يمس منه شيئا .

                                                                                                                                                                                        واختلف في النساء يترهبن ، فقال أشهب في مدونته عن مالك : النساء أحق ألا يهيجن .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون ؛ يسبين بخلاف الرجال .

                                                                                                                                                                                        وأما من لم يبن بنفسه عن جملة أهل الكفر ؛ فيستباح بالأسر والقتل والاسترقاق ، ويؤخذ ماله . وقال ابن حبيب في رهبان الكنائس : يجوز قتلهم وسبيهم لأنهم لم يعتزلوا .

                                                                                                                                                                                        وهو ظاهر قول مالك في المدونة ، في قوله : إن فيهم تدبيرا للأمر ، والاجتهاد له ، والحب فيه ، والبغض عليه ؛ فهو أنكى ممن يعمل بيديه . يريد : فيمن لم يبن [ ص: 1357 ] بنفسه عنهم .

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا حمل ابن مزين قول أبي بكر - رضي الله عنه - في الذين فحصوا عن رءوسهم ، قال : هم الشمامسة الذين لم يعتزلوا .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية