باب في إحداث الأبرجة والأجباح ودخول بعضها على بعض
قال - رضي الله عنه -: من أمر الناس اتخاذ الأبرجة ، وإن عمرت من حمام الناس، فلا بأس به. يريد أن من أمر الناس: أن كل من بنى برجا قد تقدمه غيره، فالذي أحدث من عشر سنين تقدمه غيره بتاريخ قبل ذلك، والآخر أيضا تقدمه غيره، وكل واحد لا ينفك أن يصير إليه من برج من تقدمه، وهو أمر لا يقدر الناس على الامتناع منه، وهو مما تدعو إليه الضرورة، وهذا إذا لم يحدث الثاني بقرب الأول فإنه يمنع; لأن ذلك ضرر عليه. وإذا دخل حمام برج إلى آخر كان الحكم فيه على ثلاثة أوجه: فإن عرف وقدر على رده; رد قولا واحدا . مالك
وإن عرف ولم يقدر على رده; كان فيها قولان: فقال ابن القاسم : هو لمن صار إليه، ولا شيء عليه فيه . لمالك
وقال : يرد فراخه، وإن لم يعرف، أو عرف ولم يعرف عشه كان لمن ثبت عنده، ولا شيء عليه فيه . [ ص: 1501 ] ابن حبيب
وقول : إذا عرف وقدر على رده أنه يرد إلى الأول موافق لقول مالك محمد بن عبد الحكم في الصيد; لأنه في حال كونه في برج الأول على حال التوحش، فينبغي على قول أن يكون لمن صار إليه، بل هو في هذا أضعف; لأن ما في البرج ليس بملك محقق، فكان رد ما تقرر ملكه أولى. مالك
وقول : يرد الفراخ. حسن، على قول ابن حبيب ابن عبد الحكم ، وأحسن ذلك ألا يرد إلى الأول شيء وإن قدر على رده; لأنها غير مملوكة للأول، وإنما هي على سبيل الإيواء عنده: وهي اليوم تأوي هنا، وغدا تأوي في موضع آخر.
وعلى هذا يجري الجواب جاز له ملكه، وإن عرف برجه- رده، على أصل قول إذا أوى حمام برج إلى دار رجل، ولم يكن حبسه، وعلم أنه بري، ولم يعرف صاحبه- . مالك
وإن تعرضه بحبس أو باصطياد فقال ابن القاسم يرده إن عرف برجه، وإلا تصدق بقيمته . ومحمل قولهما على أنه طالت إقامته. وأشهب:
وإن كان بحدثان ما أخذه ولم يقصد فإنه يرسله، فالشأن أن يعود إلى وكره. وإن كان من حمام البيوت، فإن أوى إليه من غير تعرض لحبسه كان حكمه حكم اللقطة، فهو بالخيار بين بيعه والصدقة بالثمن، أو يحبسه ويتصدق بقيمته، وإن حبسه ولم يتصدق بشيء فواسع، وقد استخف حبس الشيء اليسير من اللقطة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في التمرة: مالك . "لولا أن [ ص: 1502 ] تكون صدقة لأكلتها"