الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الأكل والصدقة من الأضحية

                                                                                                                                                                                        أمر الله سبحانه وتعالى في الهدايا أن يؤكل منها، ويتصدق، فقال -عز وجل-: فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير [الحج: 28] ، وقال: فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر [الحج: 36].

                                                                                                                                                                                        وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الضحايا كذلك، فقال "كنت نهيتكم أن تمسكوا من لحوم نسككم بعد ثلاث، فكلوا وادخروا وتصدقوا" فأباح الإمساك بعد ثلاث، وأثبت الصدقة فلم ينسخها، فقال: "ادخروا وتصدقوا" .

                                                                                                                                                                                        واختلف المذهب هل يؤمر بامتثال الوجهين: الأكل، والصدقة حسبما في الحديث أم لا؟ فقال: له أن يأكل ولا يتصدق، أو يتصدق ولا يأكل. فقال مالك في كتاب ابن حبيب : يأكل ويتصدق، كما قال الله سبحانه.

                                                                                                                                                                                        ولو أراد أن يتصدق بلحم أضحيته كله كان كأكله إياه ولم يتصدق، حتى يفعل الأمرين. وقال ابن المواز : لو أكله كله لكان جائزا، ولو تصدق به كله كان أعظم لأجره . [ ص: 1567 ]

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن، فليس له أن يأكل ذلك كله، وقد كان الأصل: ألا يأكل منها شيئا; لأنه قد جعلها لله سبحانه، وتقرب بها إليه; فلا يرجع في شيء جعله لله، كما لا يرجع فيما جعله لله -عز وجل- صدقة، فأباح الله سبحانه أن يأكل منها، وأثبت الصدقة منها على الأصل ، فلم يجز أن يأكل الجميع، وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الضحايا في ذلك كالهدايا .

                                                                                                                                                                                        ويكره أن يتصدق بالجميع; لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نحر مائة من الإبل، ثم أمر أن يؤخذ من كل واحدة بقطعة فطبخت، ليكون إذا أطعم من مرقها قد أكل من جميعها. أخرجه مسلم .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : وليس لما يؤكل، ولا لما يتصدق به حد. ويجزئ منه ما قل .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الجلاب : الاختيار أن يأكل الأقل .

                                                                                                                                                                                        ويستحب أن يكون أول ما يأكله يوم النحر من أضحيته، قال ابن شهاب : يأكل من كبدها . [ ص: 1568 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية