الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في اعتبار الحسب]

                                                                                                                                                                                        والحسب على ثلاثة أوجه: فإن كانت من العرب فدعت أو دعا أبوها إلى تزويجها من عربي- كان القول قول من دعا إليه، وإن كانت أشرف نسبا منه، وإن كانت من بيت الشرف; لأن تفاضل ما بينهما من باب أولى وليس تلحق منه معرة.

                                                                                                                                                                                        وأما تزويجها من البربري والمولى: فإن كانت صغيرة زوجت منه; لأن حرمة النسب مع الفقر ساقطة عند الناس، وإن كانت موسرة نظر إلى عادة ذلك الموضع الذي هم فيه، فإن كانوا لا يرون في ذلك معرة، وإنما يجرونه مجرى ما غيره أحسن منه- زوجت، وإن كان ذلك عندهم معرة كان القول قول من أبى من أب أو ابنة.

                                                                                                                                                                                        وأما تزويجها من العبد فيمنع على كل حال; لأن في ذلك نقصا ومعرة، فإن اجتمعا عليه- الأب والابنة وهي رشيدة ولا عصب لها- زوجت منه، [ ص: 1821 ] وإن كانت بكرا أو ثيبا سفيهة، ولها عصبة قريبة- منعت، وللعصبة منعها من ذلك. وأجاز مالك نكاح الموالي في العرب وتلا قول الله سبحانه: إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات: 13] .

                                                                                                                                                                                        وسئل ابن القاسم عن نكاح العبد العربية فقال: قال مالك : "أهل الإسلام بعضهم لبعض أكفاء لقول الله -عز وجل-: إن أكرمكم عند الله أتقاكم . وقال غيره: ليس العبد ومثله كفؤا لذات المنصب والقدر; لأن للناس مناكح قد عرفت لهم وعرفوا بها .

                                                                                                                                                                                        واحتج من نصر القول الأول بأسامة بن زيد ، وسالم مولى أبي حذيفة ، والمقداد بن الأسود ، وموال تزوجوا في العرب.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما الآية فلا مدخل لها ها هنا; لأن متضمنها الحال عند الله، وعلى ما يكونون عليه في الآخرة ومنازل الدنيا، وما يلحق منه معرة عند ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خير بريرة في زوجها حين أعتقت . [ ص: 1822 ]

                                                                                                                                                                                        ولم يختلف المذهب أن ذلك لنقصه عنها ; لأنه ليس بكفؤ لها، وأنه لا خيار لها إذا كان حرا، فبان بهذا أن العبد ليس بكفؤ للحرة، عربية كانت أو بربرية أو مولاة; لأن بريرة حديثة عهد بعتق، وهي في عداد الدنيات، ولأنه لا خلاف أيضا في العبد يتزوج الحرة وهي لا تعلم أن ذلك عيب يوجب لها الرد وإن كانت دنية، وأما ما ذكر من نكاح أسامة وغيره; فقد يكون ذلك في أول الإسلام.

                                                                                                                                                                                        وقد رفضوا ما كان من الافتخار في الجاهلية، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله أذهب بالإسلام عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء" ، وعبيتها فخرها.

                                                                                                                                                                                        والمقدم عندهم حينئذ من كانت له سابقة في الإسلام، وقدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بلالا على أبي سفيان بن حرب لسابقة بلال . وإنما ينظر في كل زمان إلى ما أهله عليه، وكل بلد وموضع فيحملون عليه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية