الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في طلاق المرأة لانعدام النفقة]

                                                                                                                                                                                        واختلف هل تطلق لعدم النفقة بغير تلوم، أو بعد التلوم، وفي قدر التلوم. فقال في المبسوط: يؤخر اليوم ونحوه مما لا يضر بها الجوع. [ ص: 2033 ]

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد: ما علمت أنه يضرب له أجل إلا الأيام، ثم قال: ولا أعلم له أجلا. وقال محمد: الذي عليه أصحاب مالك في التلوم الشهر ونحوه. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: الشهر والشهران. وقال أصبغ: إن لم يطمع له بمال، فالشهر إذا لم تجد هي ما تنفق.

                                                                                                                                                                                        وقال الشيخ -رحمه الله-: أرى إن كان يرجى لها ما تنفق منه أن يؤجل الشهر ونحوه، وكذلك إن كانت صناعة كسدت، ويرجى نفاقها. وإن كان لا يرجى له شيء فالأيام، فإن لم يجد طلق عليه، ولو قيل: يؤخر الشهر إذا كانت فقيرة، والشهرين إذا كانت موسرة، لكان وجها.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون في المبسوط: إن ضرب له أجل فمرض أو سجن فمنعه ذلك عن النظر فيما يأتي له، زيد في الأجل بقدر ما يرى إن ارتجي له شيء، وإلا طلق عليه، وإن غاب مختارا، طلق عليه، فإن أيسر في العدة كانت له الرجعة.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن أيسر بنفقة الشهر، وإن لم تكن إلا نفقة العشرة الأيام والخمسة عشر يوما- فليس ذلك له؛ لأن ذلك ضرر يرتجع ثم يطلق إلى أيام.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن أيسر برزق شهر، وما [ ص: 2034 ] يستوجب من اللباس والوطاء - فله الرجعة.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن كان صانعا فعاد نفاق صنعته أن يمكن من الرجعة، وإن أيسر برزق اليوم.

                                                                                                                                                                                        وللزوجة أن تطلق بالعجز عن الكسوة، وإن كان قادرا على النفقة وهو قول أشهب في العتبية، قيل له: بكم يستأنى في الكسوة إن قال: أنا أرجو؟ قال: شهرين.

                                                                                                                                                                                        وكذلك ينبغي إن عجز عن الغطاء والوطاء خاصة يطلق عليه كعجزه عن الكسوة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في القدر الذي يمنع الطلاق من النفقة والكسوة، فقال محمد في النفقة: لا أقل مما تعيش به، ولعله لا يجد ذلك فلا أقل مما لا تعيش إلا به.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب ابن حبيب: إن لم يجد غير الخبز وحده، وما يواري عورتها، ولو بثوب واحد من غليظ الكتان لم يفرق بينهما.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد: إن لم تجد إلا الطعام وحده، والكسوة محضا، إذا كان الطعام قوتها، والكسوة من وسط الكتان، مثل الفسطاطي- لم يفرق بينهما، وإن كانت من بيت الغنى. وقيل أيضا: إن لم يجد إلا الغليظ من الثياب، [ ص: 2035 ] والخشن من الطعام، قال: لكل شيء قدر، وينظر إلى قدر حالهما، ولباس مثلهما، ولا يكسوها ما ليس من لباس مثلها.

                                                                                                                                                                                        وقول محمد: ما لا تعيش إلا به حرج تمسي وتصبح جائعة، وعليه ما يسد جوعها، وإلا فرق بينهما، وإن كان من خشن الطعام، ولا إدام معه لم تطلق عليه إلا أن تكون من أهل الشرف، وممن لم تألف مثل ذلك، ولا ينساغ لها ذلك. وإن جاعت لم تلزم به، وكذلك الكسوة إذا كان لباس مثل ذلك معرة عليها- لم تلزمها، وطلقت عليه، وإن لم يكن فيه معرة لم تطلق عليه، وإن لم يكن لباس مثلها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية