الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب سيرته- صلى الله عليه وسلم- في السجدات التي ليست بركن

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في سجوده- صلى الله عليه وسلم- للسهو

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في سجوده- صلى الله عليه وسلم- قبل السلام .

                                                                                                                                                                                                                              روى الأئمة ، والشيخان ، والترمذي ، وابن خزيمة ، عن عبد الله بن مالك ابن بحينة- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قام عن اثنين من الظهر لم يجلس بينهما فسبحوا فمضى فقام الناس معه ، فلما قضى صلاته ، ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس ، وسجد الناس معه ثم سلم بعد ذلك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي- وقال : حسن غريب- عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها ، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني عن المنذر بن عمرو- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سجد سجدتين قبل التسليم .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في سجوده- صلى الله عليه وسلم- بعد السلام .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه عن معاوية بن حديج بضم الحاء المهملة آخره جيم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى يوما ، فانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد ، فأمر بلال فأقام الصلاة وصلى بالناس ركعة ، فأخبرت [ ص: 198 ] بذلك الناس فقالوا : أتعرف الرجل ، فقلت : لا إلا أن أراه ، فمر بي فقلت هو هذا ، فقالوا : هذا طلحة بن عبيد الله .

                                                                                                                                                                                                                              وعين ابن خزيمة الصلاة : المغرب ، وقال : وهذه القصة غير قصة ذي اليدين ، لأن المعلم للنبي- صلى الله عليه وسلم- طلحة بن عبيد الله مخبره ، وفي تلك القصة ذو اليدين والسهو منه- صلى الله عليه وسلم- في قصة ذي اليدين إنما كان في الظهر أو العصر ، وفي هذه القصة ، إنما كان السهو في المغرب لا في الظهر ولا في العصر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الجماعة والإمام مالك والبزار برجال ثقات ، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : «صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي : الظهر والعصر ، وفي رواية قال محمد : وأكبر ظني أنها العصر ، وفي رواية جزم بأنها الظهر وفي أخرى بأنها العصر- ركعتين ثم سلم ، ثم قام إلى خشبة في مقدم ، وفي لفظ في قبلة ، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى ، يعرف في وجهه الغضب ، فخرج سرعان الناس وهم يقولون : قصرت الصلاة ، وفي الناس أبو بكر وعمر فهاباه ، أن يكلماه ، فقال رجل طويل اليدين كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعوه ، وفي لفظ يسميهذا اليدين ، فقال : يا رسول الله أنسيت ؟ أم قصرت الصلاة ؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «كل ذلك لم يكن» وفي رواية : كان بعض ذلك ، فأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على القوم ، وفي رواية ، التفت يمينا وشمالا فقال وفي رواية ثم أقبل على أبي بكر فقال : «أصدق ذو اليدين ؟ » ، فقال الناس نعم صدق يا رسول الله ، لم نصل إلا ركعتين ، فرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى مقامه ، فصلى الركعتين الباقيتين ، ثم سلم ثم كبر ثم سجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع وكبر .

                                                                                                                                                                                                                              قيل لابن سيرين : أسلم في السهو ؟ قال : لم أحفظه من أبي هريرة ولكني نبئت عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى العصر فسلم من ثلاث ركعات ، ثم دخل منزله فقام إليه رجل بسط اليدين يقال له الخرباق- وكان في يديه طول- فقال : يا رسول الله- فذكر به صنيعه ، فخرج غضبان يجر رداءه ، حتى انتحى الناس ، فقال :

                                                                                                                                                                                                                              «أصدق هذا ؟ » قالوا نعم ، فصلى بهم ركعة ، ثم سلم .


                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في سجوده- صلى الله عليه وسلم- للزيادة .

                                                                                                                                                                                                                              روى الأئمة ، والشيخان ، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : صلى بنا [ ص: 199 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر خمسا ، فلما سلم قلنا يا رسول الله أزيد في الصلاة ؟ فقال : «وما ذاك ؟ » قالوا صليت خمسا ، فقال : فثنى رجله واستقبل وسجد سجدتين ، ثم سلم ، وقال : «إنما أنا بشر مثلكم أتذكر كما تذكرون ، وأنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ، وإذا شك أحدكم في صلاته ، فليتحر الصواب فليبني عليه ثم يسجد سجدتين» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى العصر خمسا فسجد سجدتين للسهو وهو جالس» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية