الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثالث في موضع خطبته- صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في خطبته- صلى الله عليه وسلم- على الأرض مستندا إلى راحلته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام تبوك يخطب الناس ، وهو مسند ظهره إلى راحلته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد- بسند جيد- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطب وظهره إلى الملتزم» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في خطبته- صلى الله عليه وسلم- على البغلة وعلى ناقته .

                                                                                                                                                                                                                              قال في «زاد المعاد» خطب- صلى الله عليه وسلم- على الأرض ، وعلى المنبر ، وعلى البعير ، وعلى ناقته . قلت : وعلى البغلة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود عن هلال بن عامر المزني عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنى يخطب على بغلة ، وعليه برد أحمر ، وعلي- رضي الله تعالى عنه- يعبر عنه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والترمذي- بسند حسن صحيح- والنسائي ، والبيهقي عن عمرو بن خارجة قال : خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنى وهو على راحلته ، وهي تقصع بجرتها ، ولعابها يسيل بين كتفيه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن الهرماس بن زياد- رضي الله تعالى عنه- قال : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب على ناقته ، فقال : «إياكم والخيانة فإنها بئست البطانة ، إياكم [ ص: 213 ] والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ، إياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح حتى سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في اتخاذه- صلى الله عليه وسلم- المنبر .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن إسحاق والبزار بسند ضعيف عن معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إن أتخذ المنبر ، فقد اتخذه أبي إبراهيم ، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطيالسي عن جرير- رضي الله تعالى عنه- قال : «خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على منبر صغير فحثنا على الصدقة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب يوم الجمعة ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى على المنبر ، فإذا سكت المؤذن يوم الجمعة قام فخطب» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن ابن عمر وعبد الله ابن الإمام أحمد عن أبي بن كعب ، وأبو يعلى عن أبي سعيد والبزار من طريق آخر عنه ، وعبد بن حميد من طريق آخر واللفظ له ، وأبو يعلى برجال ثقات ، والطبراني عن جابر والطبراني عن عائشة ، والطبراني برجال ثقات عن أم سلمة- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة» ، وفي لفظ : أسند ظهره إليه ، إذا تكلم يوم الجمعة ، أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس ، فقال له الناس : يا رسول الله قد كثر الناس ، يعني المسلمين وإنهم ليحبون أن يروك ، فلو اتخذت منبرا تقوم عليه فيراك الناس ، قال : «نعم» ، قال : «من يجعل لنا هذا المنبر» ، فقام إليه رجل فقال : أنا قال : «تجعله» قال : نعم ، ولم يقل إن شاء الله ، قال : «ما اسمك» ؟ قال : فلان ، قال : «اقعد» ، فقعد ، ثم عاد فقال : «من يجعل لنا هذا المنبر ؟ » فقام إليه رجل فقال : قال : تجعله ، قال : نعم ، ولم يقل إن شاء الله ، قال : «ما اسمك ؟ » قال : فلان ، قال : «اقعد» فقعد ، ثم عاد فقال :

                                                                                                                                                                                                                              «من يجعل لنا هذا المنبر ؟ » فقام إليه رجل فقال : أنا ، قال : «تجعله» قال : نعم إن شاء الله قال : «ما [ ص: 214 ] اسمك ؟ » قال إبراهيم قال : اجعله فصنع له ثلاث درجات ، فلما كان يوم الجمعة ، واستوى عليه ، واستقبل القبلة حنت النخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد .


                                                                                                                                                                                                                              [وفي لفظ : «فخار الجذع كما تخور البقر جزعا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ حن كما تحن الناقة على ولدها ، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن المنبر فاعتنقها فلم يزل حتى سكن .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ «فقال له اسكن إن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون ، وإن شئت أعيدك كما كنت رطبا فاختار الآخرة على الدنيا فلما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رفع إلى أبي بن كعب فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة .

                                                                                                                                                                                                                              ثم عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «إن هذه النخلة ، إنما حنت شوقا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة ، فلما كان من الغد رأيتها قد حولت فقلنا ما هذا ؟ قال : جاء أبو بكر وعمر فحولوها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال : كان جدار المسجد عند المنبر ، ما كادت الشاة تجوزها . [ ص: 215 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية