ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلم- بذي طوى ، ودخوله مكة ، وطوافه وسعيه :
ثم نهض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أن نزل بذي طوى ، وهي المعروفة اليوم بآبار الزاهر ، فبات بها ليلة الأحد ، لأربع خلون من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل من يومه ، ونهض إلى مكة من أعلاها من الثنية العليا ، التي تشرف على الحجون وكان في العمرة يدخل من أسفلها وفي الحج دخل من أعلاها وخرج من أسفلها ، ثم سار حتى دخل المسجد ضحى .
وروى عن الطبراني رضي الله تعالى عنهما- قال : ابن عمر- - رجاله رجال الصحيح إلا «دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- [ ص: 462 ] ودخلنا معه من باب عبد مناف ، وهو الذي تسميه الناس : باب بني شيبة» مروان بن أبي مروان ، قال السليماني : فيه نظر .
وروى البيهقي : . وخرج من باب بني مخزوم [إلى الصفا] فلما نظر إلى البيت ، واستقبله ورفع يديه وكبر ، وقال : «اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت تشريفا ، وتعظيما ، وتكريما ، ومهابة ، وزد من عظمه ، ممن حجه أو اعتمره ، تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا»
وروى عن الطبراني ، حذيفة بن أسيد ، . أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا نظر إلى البيت قال : «اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا ومهابة»
فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسجد عمد إلى البيت ، ولم يركع تحية المسجد ، فإن تحية المسجد الحرام الطواف .
وكان طوافه- صلى الله عليه وسلم- في هذه المرة ماشيا فقد روى بإسناد جيد- كما قال البيهقي- ابن كثير عن قال : جابر بن عبد الله مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، حتى فرغ قبل الحجر ، ووضع يديه عليه ، ومسح بهما وجهه» . «دخلنا
وأما ما رواه عن مسلم ، رضي الله تعالى عنها- قالت : عائشة- ، وما رواه «طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بعيره يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس» عن أبو داود ، رضي الله تعالى عنه- قال : ابن عباس- مكة يشتكي فطاف على راحلته وكلما أتى الركن استلم بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين . قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
وقول رضي الله تعالى عنه- أبي الطفيل- رواه «يطوف حول البيت على بعير يستلم الركن بمحجن» . البيهقي
قال : طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجته بالبيت على ناقته الجدعاء ، وعبد الله ابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز فقالا ، واللفظ لابن كثير ، إن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف ، هذا الأول ، والثاني طواف الإفاضة ، وهو طواف الفرض وكان يوم النحر . والثالث : طواف [ ص: 463 ] الوداع فلعل ركوبه- صلى الله عليه وسلم- كان في أحد الأخيرين ، أو في كليهما ، فأما الأول : وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه ، وقد نص على هذا رضي الله تعالى عنه- والدليل على ذلك ما رواه الإمام الشافعي- بإسناد جيد ، عن البيهقي رضي الله تعالى عنه- قال : جابر- مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، حتى فرغ يقبل الحجر ، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه» . «دخلنا
قال ابن القيم : وحديث إن كان محفوظا فهي في إحدى عمره ، وإلا فقد صح عنه : الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم ، إلا أن يقول كما قال ابن عباس في السعي : إنه رمل على بعيره ، فقد رمل لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم . ابن حزم
فلما حاذى- صلى الله عليه وسلم- الحجر الأول استلمه ، ولم يزاحم عليه قلت : وقال لعمر : إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر تؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه ، وإلا فاستقبله وهلل وكبر» عمر رواه «يا وغيره ، والله تعالى أعلم . الإمام أحمد
قال : ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني ، ولم يرفع يديه ، ولم يقل : نويت بطوافي هذا الأسبوع ، كذا وكذا ولا افتتحه بالتكبير ، كما يكبر للصلاة كما يفعله من لا علم عنده ، بل هو من البدع المنكرات ، ولا حاذى الحجر الأسود بجميع يديه ، ثم انفتل عنه وجعله على شقه ، بل واستقبله ، واستلمه ، ثم أخذ على يمينه وجعل البيت على يساره ولم يدع عند الباب بدعاء ، ولا تحت الميزاب ، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ولا وقت الطواف ذكرا معينا ، لا بفعله ولا تعليمه ، بل حفظ عنه بين الركنين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
قلت : وروى ابن سعد ، عن رضي الله تعالى عنه- قال : عبد الله بن السائب- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول بين الركنين : اليماني ، والحجر الأسود
رواه ورمل- صلى الله عليه وسلم- في طوافه هذا الثلاثة الأشواط ، الأول قلت : «من الحجر إلى الحجر» الإمام أحمد ، . [ ص: 464 ] وأبو يعلى
وكان يسرع مشيه ، ويقارب بين خطاه واضطبع بردائه فجعله على أحد كتفيه ، وأبدى كتفه الآخر ، ومنكبه ، وكلما حاذى الحجر الأسود أشار إليه واستلمه بمحجنه وقبل المحجن ، وهو عصا محنية الرأس .
وثبت عنه : أنه استلم الركن اليماني ، ولم يثبت عنه أنه قبله ، ولا قبل يده حين استلامه .
وقول ابن عباس رواه كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبل الركن اليماني ، ويضع خده عليه ، من طريق الدارقطني ، عبد الله بن مسلم بن هرمز .
قال ابن القيم : «المراد بالركن اليماني ها هنا الحجر الأسود ، فإنه يسمى الركن اليماني مع الركن الآخر يقال لهما : اليمانيان ، ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب العراقيان ، ويقال للركنين اللذين يليان الحجر الشاميان ، ويقال للركن اليماني ، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة الغربيان ، ولكن ثبت عنه أنه قبل الحجر الأسود ، وثبت عنه أنه استلمه بيده ، فوضع يده عليه ثم قبلها .
وثبت عنه : أنه استلمه بمحجنه ، فهذه ثلاث صفات .
وروي عنه . «أنه وضع شفته عليه طويلا يبكي»
وروى بإسناد جيد الطبراني أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا استلم الركن اليماني قال : بسم الله ، والله أكبر ، وكان كلما أتى الحجر الأسود ، قال : «الله أكبر» .
وروى عن أبو داود الطيالسي ، رضي الله تعالى عنه- عمر بن الخطاب- أن رسول الله قبل الركن ، ثم سجد عليه ، ثم قبله ، ثم سجد عليه ، ثلاث مرات ، ولم يمس من الركنين إلا اليمانيين فقط .
قلت : . رواه «واستسقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في طوافه» عن الطبراني ، وفي سنده رجل لم يسم ، والله تعالى أعلم . العباس ،
فلما فرغ من طوافه جاء إلى خلف المقام ، فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين- والمقام بينه وبين البيت- قرأ فيهما بعد الفاتحة : بسورة الإخلاص ، وقراءته الآية المذكورة . قلت : في حديث جابر : والله تعالى أعلم . «أنه قرأ فيهما قل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون ، إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به» . فلما فرغ من صلاته أقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه ثم خرج إلى الصفا من الباب الذي يقابله ، فلما دنا منه قرأ
وفي رواية «ابدءوا» على الأمر النسائي : . ثم رقى عليه حتى إذا رأى البيت فاستقبل [ ص: 465 ] البيت فوحد الله- تعالى- وكبره وقال : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده» ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل ذلك ثلاث مرات»
وقام على الصدع ، وهو : الشق الذي في الصفا ، فقيل له ها هنا يا ابن مسعود أبا عبد الرحمن ، قال : هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة ، ثم نزل إلى المروة يمشي ، فلما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا جاوز الوادي وصعد مشى كذا في حديث عند جابر الإمام أحمد من طريق ومسلم جعفر بن محمد .
قالا : لكن روى الإمام أحمد ، عن ومسلم محمد بن بكر ، عن والنسائي شعيب بن إسحاق عن ومسلم علي بن شهر وعيسى بن يونس كلهم عن عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، جابر ، قلت : وبكونه سعى راكبا جزم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت ، وبين الصفا والمروة ليراه الناس . ابن حزم .
وظاهر الأحاديث عن وغيره ، يقتضي أنه مشى خصوصا ، قوله فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى . وجزم جابر بأن الراكب إذا انصب به بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه أيضا مع سائر جسده . ابن حزم :
قال ابن كثير وهذا بعيد جدا .
قالا : وفي الجمع بينهما وجه أحسن من هذا وهو : أنه سعى ماشيا أولا ، ثم أتم سعيه راكبا ، وقد جاء ذلك مصرحا به ، ففي صحيح عن مسلم ، قال أبي الطفيل ، أخبرني عن لابن عباس : أسنة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة . قال : «صدقوا وكذبوا» ، قال : قلت : ما قولك صدقوا وكذبوا قال : إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كثر عليه الناس يقولون : هذا محمد ، حتى خرج عليه العواتق من البيوت قال : وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يضرب الناس بين يديه ، قال : فلما كثر عليه الناس ركب ، والمشي أفضل . الطواف بين الصفا والمروة راكبا ، قلت :
قلت : «وفي حديث عند يعلى بن أمية الإمام أحمد . أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد نجراني»
وروى النسائي برجال الصحيح ، عن والطبراني أم ولد شيبة بن عثمان . [ ص: 466 ] «أنها أبصرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول : «لا يقطع الأبطح إلا شدا»
وروى عن البيهقي ، قدامة بن عمار ، قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يسعى بين الصفا والمروة على بعير ، لا ضرب ، ولا طرد ، ولا إليك إليك» .
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد ، برجال ثقات- عن والبزار- رضي الله تعالى عنه- علي- . «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كاشفا عن ثوبه حتى بلغ ركبتيه»
وروى الإمام أحمد ، عن والطبراني ، حبيبة بنت أبي تجراة- رضي الله تعالى عنها- قالت : وفي الكبير قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطوف بين الصفا والمروة ، والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى ، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي ، يدور به إزاره وهو يقول : «اسعوا فإن الله- عز وجل- كتب عليكم السعي» . «ولقد رأيته من شدة السعي يدور الإزار حول بطنه وفخذيه حتى رأيت بياض فخذيه»
قلت : وفي حديث رضي الله تعالى عنه- ابن مسعود- رواه الطبراني . أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سعى في بطن المسيل ، قال : «اللهم اغفر وارحم ، وأنت الأعز الأكرم»
وفي حديث ابن علقمة ، عن عمه . رواه «أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا جاء مكانا من دار يعلى- نسبه عبيد الله- استقبل البيت ودعا» الإمام أحمد إلا أنه قال : عن أمه والله تعالى أعلم . وأبو داود
قال وطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راكبا على بعير يخب ثلاثا ويمشي أربعا . ابن حزم
قالا : وكونه خب ثلاثة أشواط بين الصفا والمروة ، ومشى أربعا لم يتابع على هذا القول ، ولم يتفوه به أحد قبله ، وإنما هذا في الطواف بالبيت .
وكان- صلى الله عليه وسلم- إذا وصل إلى المروة رقي عليها واستقبل البيت وكبر الله ووحده وفعل كما فعل على الصفا ، فلما أكمل سعيه عند المروة أمر كل من لا هدي معه أن يحل حتما ولا بد قارنا كان أو مفردا ، وأمرهم أن يحلوا الحل كله ، من وطء النساء ، والطيب ولبس المخيط ، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية ، ولم يحل هو من أجل هديه ، فحل الناس كلهم إلا النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي ، ومنهم أبو بكر وعمر ، وطلحة والزبير ، قال : ، وهناك سأله «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة» سراقة بن مالك بن [ ص: 467 ] جشم وهو في أسفل الوادي ، لما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة والإحلال ، يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصابعه واحدة في الأخرى فقال : «لا» ، ثلاث مرات ، ثم قال : «دخلت العمرة في الحج مرتين أو ثلاثا إلى الأبد» بل الأبد فحل الناس كلهم إلا النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي .