وبعث عبد الله بن حذافة السهمي ، وقيل : ينادي في الناس ، كعب بن مالك بمنى : «إنها أيام أكل وشرب وذكر الله» . [ ص: 479 ] أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال :
قلت : بمنى أنها أيام أكل وشرب وباءة ذكره ونادى مناديه ابن سعد . فانتهى المسلمون عن صيامهم إلا محصورا بالحج أو متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فإن الرخصة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصوموا أيام منى ، والله تعالى أعلم .
ثم أفاض- صلى الله عليه وسلم- إلى مكة قبل الظهر راكبا ، (وأردف من معاوية بن أبي سفيان منى إلى مكة ) ، فطاف وهو طواف الزيارة ، وهو طواف الصدر ، ولم يطف غيره ، قال : هو الصواب . طواف الإفاضة ،
في حديث عائشة ، وابن عباس : ، علقه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخر طواف يوم النحر إلى الليل ورواه الأربعة . البخاري ،
قلت : قال ابن كثير : والأشبه أن هذا الطواف كان قبل الزوال ، ويحتمل أنه كان بعده .
فإن حمل هذا أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول : إلى العشي صح ذلك ، وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا ، ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من أنه- صلى الله عليه وسلم- طاف يوم النحر نهارا ، وشرب من سقاية زمزم ، وأما الطواف بالليل ، فهو طواف الوداع ، ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة .
ثم أتى زمزم بعد أن قضى طوافه ، وهم يسقون ، فقال : . «لولا أن يغلبكم الناس عليها يا ولد عبد المطلب لنزلت ، فسقيت معكم»
ويقال : إنه نزع دلوا لنفسه ، ثم ناوله الدلو ، قلت : ثم مج فيها فأفرغ على سقايتهم في زمزم .
وفي حديث عند ابن عباس البخاري ، والله تعالى أعلم . أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس : يا فضل اذهب إلى أمك فائت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشراب من عندها ، فقال : اسقني ، فقالت : يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه ، قال : «اسقني (مما يشرب الناس )» ، فشرب منه ، ثم أتى زمزم
قال : فشرب وهو قائم .
قال : والأظهر أن ذلك كان للحاجة ، وهل كان في طوافه هذا راكبا ؟ أو ماشيا ؟ . وقد تقدم ما رواه وغيره ، عن مسلم قال : جابر ، يستلم الحجر بمحجنه ، لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه . طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالبيت في حجة الوداع على راحلته [ ص: 480 ]
وروى الشيخان ، عن قال : ابن عباس طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنه .
قال ابن القيم : وهذا الطواف ليس بطواف الوداع فإنه كان ليلا ، وليس بطواف القدوم ، لوجهين :
أحدهما : أنه قد صح عنه . أن ولم يقل أحد قط رملت به راحلته وإنما قالوا رمل نفسه . الرمل في طواف القدوم .
والثاني قول عمرو بن الشريد : وهذا ظاهره ، أنه من حين أفاض معه ، ما مست قدماه الأرض إلى أن رجع ، ولا ينقض هذا بركعتي الطواف ، فإن شأنهما معلوم ، قال : والظاهر أن أفضت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما مست قدماه الأرض حتى أتى جمعا ، عمرو بن الشريد إنما أراد الإفاضة معه من عرفة ، ولهذا قال : حتى أتى جمعا وهي مزدلفة ، ولم يرد الإفاضة إلى البيت يوم النحر ، ولا ينقض هذا بنزوله عند الشعب حين بال ثم ركب ، لأنه ليس بنزول مستقر ، وإنما مست قدماه الأرض مسا عارضا .
ثم رجع- صلى الله عليه وسلم- إلى منى .
واختلف : أين صلى الظهر يومئذ ؟ ففي الصحيحين عن ابن عمر : وفي أنه- صلى الله عليه وسلم- أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى . عن مسلم جابر بمكة ، وكذلك قالت أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر واختلف في ترجيح أحد القولين على الآخر . عائشة
ورجح وغيره الثاني ، ورجح أبو محمد بن حزم ابن القيم الأول .
وقال ابن كثير : فإن علمنا بها أمكن أن يقال : إنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر بمكة ، ثم رجع إلى منى فوجد الناس ينتظرونه ، فصلى بأصحابه بمنى أيضا .
وطافت في ذلك اليوم طوافا واحدا وسعت سعيا واحدا أجزأها عن حجها وعمرتها وقال في موضع آخر : يحتمل أنه رجع إلى عائشة منى ، في آخر وقت الظهر ، فصلى وطافت صفية ذلك اليوم . ثم حاضت ، قال : فأجزأها طوافها ذلك عن طواف الوداع ولم تودع .
وكان وكان إذا رمى الجمرتين علاهما ورمى جمرة العقبة من بطن الوادي . رمي الجمار حين تزول الشمس قبل الصلاة ،
وكان يقف عند الجمرة الأولى أكثر مما يقف عند الثانية ، ولا يقف عند الثالثة ، وإذا رماها انصرف ، وكان إذا رمى الجمرتين وقف عندهما ، ورفع يديه لا يقول ذلك في رمي العقبة فإذا رماها انصرف . [ ص: 481 ]
ونهى أن يبيت أحد بليالي منى ، ورخص للرعاة أن يبيتوا عند منى ، من جاء منهم فرمى بالليل أرخص له في ذلك وقال : . ارموا بمثل حصى الخذف
كان أزواجه يرمين مع الليل ، ثم رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى منى من يومه ذلك فبات بها ، فلما أصبح انتظر زوال الشمس ، فلما زالت الشمس مشى من رحله إلى الجمار ولم يركب ، فبدأ بالجمرة الأولى ، التي تلي مسجد الخيف فرماها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة ، يقول مع كل حصاة : «الله أكبر» ثم يقدم على الجمرة أمامها حتى أسهل فقام مستقبل القبلة ثم رفع يديه ودعا دعاء طويلا بقدر سورة البقرة ، ثم أتى- صلى الله عليه وسلم- إلى الجمرة الوسطى فرماها كذلك ، ثم انحدر ذات اليسار ، مما يلي الوداع فوقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو قريبا من وقوفه الأول ثم أتى الجمرة الثالثة ، وهي جمرة العقبة ، فاستبطن الوادي واستعرض الجمرة ، فجعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه فرماها بسبع حصيات كذلك ، ولم يرمها من أعلاها كما يفعل الجهال ، ولا جعلها عن يمينه ، واستقبل البيت وقت الرمي كما ذكره غير واحد من الفقهاء .
فلما أكمل الرمي من فوره ولم يقف عندها ، فقيل : لضيق المكان بالجبل ، وقيل : وهو الأصح أن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها ، فلما رمى جمرة العقبة فرغ الرمي ، والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها ، وذكر ما يتعلق بالدعاء بعد الصلاة ، وقد تقدم بما فيه .
قال : والذي يغلب على الظن أنه كان يرمي قبل الصلاة ، ثم يرجع فيصلي ، لأن جابرا وغيره قالوا : كان يرمي إذا زالت الشمس فعقبوا زوال الشمس برميه وأيضا فإن وقت الزوال للرمي أيام منى ، كطلوع الشمس لرمي يوم النحر .
وروى الترمذي ، عن وابن ماجه ، رضي الله تعالى عنهما- قال : ابن عباس- زاد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرمي الجمار إذا زالت الشمس ابن ماجه . . قدر ما إذا فرغ من رميه- صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر
وذكر الإمام أحمد : أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يرمي يوم النحر راكبا ، وأيام منى ماشيا ، في ذهابه ورجوعه .