روى قاسم بن ثابت في دلائله ، عن سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت ، عن أبيه قال : كانت خوالف قريش تخرج إلى الأبطح وذي طوى حين خرجت قريش تمنع عيرها ، يتحسسون الأخبار ، فسمعوا هاتفا بأعلى مكة في اليوم الذي أوقع بهم المسلمون ، وهو ينشد بأنفذ صوته ولا يرى شخصه :
أزار الحنيفيون بدرا وقيعة سينقض منها ركن كسرى وقيصرا أبادت رجالا من لؤي وأبرزت
خرائد يضربن الترائب حسرا فيا ويح من أمسى عدو محمد
لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا
وكان أول من قدم [مكة] بمصابهم الحيسمان -وهو بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وضم المهملة- ابن إياس الخزاعي -وأسلم بعد ذلك- فقالوا : ما وراءك ؟ قال : قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو الحكم بن هشام ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأبو البختري بن هشام ، فلما جعل يعدد أشراف قريش ، قال وهو قاعد في الحجر : والله إن يعقل هذا ، لقد طار قلبه ، فسلوه عني ، فقالوا : ما فعل صفوان بن أمية قال : ها هو ذاك قاعدا في الحجر وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا . صفوان بن أمية ؟
وروى عن ابن إسحاق ، أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، فأسلم وأسلمت العباس أم الفضل ، وكان [ ص: 67 ] يهاب قومه ويكره خلافهم ، فكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه ، وكان العباس أبو لهب قد تخلف عن بدر ، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله تعالى وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزة ، وكنت أعمل الأقداح في حجرة زمزم ، فوالله إني جالس فيها أنحت أقداحي وعندي أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري ، فبينما هو جالس إذ قال الناس : هذا قد قدم ، فقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أبو لهب : هلم إلي يا ابن أخي فعندك لعمري الخبر ، فجلس إليه والناس قيام عليه ، فقال : يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس ، فقال : والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا ، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ، والله ما تليق شيئا ، ولا يقوم لها شيء . قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدي ، ثم قلت : تلك والله الملائكة ، قال : فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة ، قال : وثاورته فاحتملني وضرب بي الأرض ، ثم برك علي يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا ، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فأخذته فضربته به ضربة فلعت في رأسه شجة منكرة ، وقالت : استضعفته أن غاب عنه سيده ، فقام موليا ذليلا . فوالله ما عاش إلى سبع ليال حتى رماه الله تعالى بالعدسة فقتلته .
قال والعدسة : قرحة كانت العرب تتشاءم بها ، ويرون أنها تعدي أشد العدوى ، فلما أصابت ابن جرير : أبا لهب تباعد عنه بنوه ، وبقي بعد موته ثلاثا لا تقرب جثته ، ولا يحاول دفنه ، فلما خافوا السبة في تركهم له دفعوه بعصي في حفرته ، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه .
وقال في رواية ابن إسحاق إنهم لم يحفروا له ، ولكن أسندوه إلى حائط ، وقذفوا عليه بالحجارة من خلف الحائط حتى واروه . وروي أن يونس بن بكير : رضي الله عنها كانت إذا مرت بموضعه غطت وجهها . عائشة