الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الثاني : كانت هذه الوقعة في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور . قال ابن إسحاق كما رواه الطبراني بسند رجال ثقات : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فأصبح بالشعب من أحد ، فالتقوا يوم السبت في النصف من شوال ، وفي الفتح عنه أن الوقعة كانت لإحدى عشرة ليلة خلت منه ، وقيل : لتسع ليال ، وقيل : لثمان ، وقيل : لسبع . قال الإمام مالك : أول النهار ، وشذ من قال سنة أربع .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : أحد - بضم الهمزة والحاء وبالدال المهملتين - قال ياقوت في معجمه وغيره : هو جبل أحمر ليس بذي شناخيب ، بينه وبين المدينة أقل من فرسخ ، وهو في شماليها .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن أنس بن مالك وابن أبي شيبة ، والطبراني بسند جيد عن سويد بن عامر الأنصاري ، والبخاري عن أبي حميد الساعدي ، والبخاري عن سهل بن سعد ، والطبراني عن ابن عباس ، والطبراني عن أبي هريرة ، وعمر بن شبة ، بسند جيد عن أبي قلابة ، رضي الله [ ص: 243 ] عنهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد لما بدا له : هذا جبل يحبنا ونحبه . وتكرر منه صلى الله عليه وسلم هذا القول مرات . وسيأتي الكلام على هذا الحديث في المعجزات ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند ضعيف ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أحد ركن من أركان الجنة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عمر بن شبة عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أحد على باب من أبواب الجنة ، فإذا مررتم به ، فكلوا من شجره ولو من عضاهه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق عن أبي ليلى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أحد على ترعة من ترع الجنة » .

                                                                                                                                                                                                                              قال ياقوت : وهو اسم مرتجل لهذا الجبل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال السهيلي : سمي أحدا لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هناك ، أو لما وقع من أهله من نصرة التوحيد ، ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية ، وقد سمى الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم تقدمة لما أراده سبحانه وتعالى من مشاكلة اسمه لمعناه ، إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد ، عنده استقر حيا وميتا وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه إشعارا للأحدية ، فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه صلى الله عليه وسلم ، ومقاصده في الأسماء ، فقد بدل كثيرا من الأسماء ، استقباحا لها من أسماء البقاء وأسماء الناس ، فاسم هذا الجبل من أوفق الأسماء له ، ومع أنه مشتق من الأحدية ، فحركات حروفه الرفع ، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه ، فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم اسما ومسمى ، فخص من بين الجبال أن يكون معه في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : قال في الروض : البقر في الرؤيا عبارة عن رجال مسلمين يتناطحون ، وقد رأت عائشة رضي الله عنها مثل هذا ، فكان تأويله قتل من قتل معها يوم الجمل . قال في الفتح : وفيه نظر ، فقد رأى الملك بمصر البقر ، وأولها يوسف صلى الله عليه وسلم بالسنين . ووقع في حديث ابن عباس ومرسل عروة عند أبي الأسود في المغازي : «وتأولت البقر ببقر يكون فينا » . قال : وكان ذلك من أصيب من المسلمين . وقوله : بقرا - بسكون القاف - وهو شق البطن . وهذا أحد وجوه التفسير : أن يشتق من الاسم معنى مناسبا ، ويمكن أن يكون ذلك لوجه آخر من وجوه التأويل ، وهو التصحيف ، فإن لفظ بقر مثل نفر بالنون والفاء خطأ .

                                                                                                                                                                                                                              وعند أحمد والنسائي وابن سعد من حديث جابر بسند صحيح في هذا الحديث : [ ص: 244 ] «ورأيت نفرا منحرة » ، وقال فيه : إن الدرع المدينة ، والنفر نفر ، هكذا بنون وفاء ، وهو يؤيد الاحتمال المذكور .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : لما ذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيفه فسله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يعتاف .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو القاسم الخثعمي : وظاهر الكلام أن العيافة في المكروه خاصة ، والفأل في المحبوب وقد يكون في المكروه والطيرة تكون في المكروه والمحبوب . وفي الحديث : أنه نهى عن الطيرة وقال : «خيرها الفأل » فدل على أنها تكون على وجوه ، والفأل خيرها . ولفظها يعطي أنها تكون في الخير والشر ، لأنها من الطير ، تقول العرب : جرى له طائر بخير ، وجرى له بشر . وفي التنزيل وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه [الإسراء 13 ] وقوله في هذا الحديث : «إني أرى السيوف اليوم ستسل » يقوي ما قدمناه من التوسم والزجر المصيب ، وأنه غير المكروه ، ولكنه غير مقطوع به إلا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : دل مروره صلى الله عليه وسلم في أرض ذلك المنافق أنه يجوز للإمام السلوك في بعض أملاك رعيته ، إذا صادف ذلك طريقه ، وإن لم يرض المالك .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : مظاهرته صلى الله عليه وسلم بين درعين وقع مرتين في أحد ، وفي حنين ، لا غير فيما أعلم ، وفي ذلك إشارة إلى الأخذ بالحزم والاحتياط ، وأن ذلك لا ينافي التوكل .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : ليس تمني عبد الله بن جحش أن يقتل في سبيل الله من تمني الموت المنهي عنه .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع : اختلف أهل العلم في الشهيد إذا قتل جنبا : هل يغسل كما غسلت الملائكة حمزة وحنظلة رضي الله عنهما .

                                                                                                                                                                                                                              العاشر : قول أبي دجانة : «أنا الذي عاهدني خليلي » وكذا قول أبي هريرة : «حدثني خليلي » لا يدفع بقوله صلى الله عليه وسلم : «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر » ، لأن أبا دجانة وأبا هريرة يريدان به معنى الحبيب ، وإنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقولها لأحد من أصحابه ، ولا خص بها أحدا ، دون أن يمنع أحدا من أصحابه أن يقولها ، وما كان في قلوبهم من المحبة يقتضي هذا أو أكثر منه ، ما لم يكن الغلو والقول المكروه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ، وإنما أنا عبد الله ورسوله » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 245 ] الحادي عشر : قول علي رضي الله عنه : «ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد : فداك أبي وأمي إلا لسعد يوم أحد » . رواه البخاري وغيره ، وروي أيضا عنه : «ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه لأحد إلا لسعد » .

                                                                                                                                                                                                                              قال في الروض : والرواية الأولى أصح ، والله أعلم ، لأنه أخبر أنه لم يسمع ، وقد قال الزبير بن العوام : أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أيضا أبويه ، كما رواه الزبير بن بكار في كتاب النسب .

                                                                                                                                                                                                                              قال السهيلي : وفقه هذا الحديث أن هذا الكلام جائز لمن كان أبواه غير مؤمنين ، وأما إذا كانا مؤمنين فلا ، لأنه كالعقوق لهما ، كذلك سمعت شيخنا أبا بكر بن العربي يقول في هذه المسألة . قلت : قال الإمام النووي في كتابه «حلية الأبرار » : المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره : فداك أبي وأمي ، أو جعلني الله فداك . وقد تظاهرت على جواز ذلك الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما ، وسواء كان الأبوان مسلمين أو كافرين ، وكره ذلك بعض العلماء إذا كانا مسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              قال النحاس : وكره مالك بن أنس : «جعلني الله فداك » ، وأجازه بعضهم . قال القاضي عياض رحمه الله : ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك ، سواء كان المفدى به مسلما أو كافرا . قال النووي : قد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى . وقد نبهت على جمل منها في شرح صحيح مسلم ، والمراد بالتفدية التعظيم والإجلال ، لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه ، وكان مراده بذلك نفسي ، أو من يعز علي في مرضاتك وطاعتك .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني عشر : يأتي الكلام على شرب أبي سعيد الخدري دم النبي صلى الله عليه وسلم في الخصائص .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية