الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر عدد المسلمين والمشركين الذين شهدوا بدرا

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث : أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر -ولم يجاوزه معه إلا مؤمن- بضعة عشر وثلاثمائة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، والطبراني ، عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم وهم بالمدينة : «هل لكم أن نخرج فنلقى هذه العير لعل الله تعالى يغنمناها ؟ » قلنا : نعم ، فخرجنا ، فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعاد ، فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر ، فأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدتنا فسر بذلك ، وحمد الله تعالى وقال : «عدة أصحاب طالوت» .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وأبو عوانة ، وابن حبان ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ، وهم ثلاثمائة وبضعة عشر ، ولفظ مسلم : تسعة عشر رجلا ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزاز بسند حسن ، عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : كانت عدة أهل بدر عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلاثمائة وسبعة عشر ، كذا في النسخة التي وقفت [ ص: 74 ] عليها من مجمع الزوائد للهيثمي : سبعة عشر ، وأورده في الفتح بلفظ «ثلاثة عشر» فيحرر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري ، وإسحاق بن راهويه ، عن البراء ، رضي الله عنه ، قال : استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر فكان المهاجرون يوم بدر نيفا على الستين ، والأنصار نيفا وأربعين ومائتين .

                                                                                                                                                                                                                              ووقع عند الحاكم من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجدي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء أن المهاجرين كانوا نيفا وثمانين ، قال الحافظ : وهذا خطأ في هذه الرواية؛ لإطباق أصحاب شعبة على ما وقع في البخاري . ووقع عند يعقوب بن سفيان من مرسل عبيدة السلماني أن الأنصار كانوا مائتين وسبعين ، وليس ذلك بثابت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي اليمان عامر الهوزني ، والطبراني والبيهقي من وجه آخر عنه ، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال لأصحابه : «تعادوا فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا» ثم قال لهم : «تعادوا» فتعادوا مرتين ، فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادون ، فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود ، والبيهقي ، بإسناد حسن ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ومعه ثلاثمائة وخمسة عشر ، وهذه الرواية لا تنافي رواية ثلاثة عشر؛ لاحتمال أن تكون الأولى لم يعد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الرجل الذي أتى آخرا . وأما الرواية التي فيها : «تسعة عشر» فتحمل على أنه ضم إليه من استصغر ولم يؤذن له في القتال يومئذ ، كالبراء وابن عمر وكذلك أنس ، فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح عنه أنه سئل : هل شهدت بدرا ؟ فقال : وأنى أغيب عن بدر ؟ ! وكأنه كان حينئذ في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت عنه أنه خدمه عشر سنين ، وذلك يقتضي أنه ابتدأ خدمته له حين قدم المدينة ، فكأنه خرج معه إلى بدر ، أو خرج مع عمه زوج أمه أبي طلحة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الصحيح عن موسى بن عقبة ، عن الزهري قال : فجميع من شهد بدرا من قريش ممن ضرب له بسهمه أحد وثمانون .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : والجمع بين هذا وبين قول البراء أن حديث البراء ورد فيمن شهدها حسا . وقول الزهري فيمن شهدها بالعدد حسا وحكما ممن ضرب له بسهم وأجره ، أو المراد بالعدد الأول الأحرار ، وبالثاني بانضمام مواليهم وأتباعهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وإذا تحرر هذا الجمع فيعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال ، وإنما شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستة .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن جرير ، عن ابن عباس قال : إن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وستة رجال ، وقد بين ذلك ابن سعد فقال : إنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة ، فكأنه لم يعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين وجه [ ص: 75 ] الجمع بأنه ثمانية أنفس عدوا في أهل بدر ولم يشهدوها ، وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهامهم؛ لكونهم تخلفوا لضرورات لهم ، وتقدم بيانهم ، وحكى السهيلي أنه حضر مع المسلمين سبعون نفسا من الجن .

                                                                                                                                                                                                                              وكان المشركون ألفا ، وقيل : تسعمائة وخمسين ، وقيل : وكان معهم سبعمائة بعير ومائة فرس .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية