أبو عامر عبد عمرو بن صيفي الفاسق ، طلع في خمسين من قومه ويقال : خمسة عشر ، الذين ذهبوا معه إلى أول من أنشب الحرب مكة ، والأحابيش وعبدان أهل مكة ، فنادى : يا معشر الأوس أنا أبو عامر ، فقالوا : لا أنعم الله بك عينا يا فاسق ، بذلك سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يسمى في الجاهلية الراهب ، فلما سمع ردهم عليه قال : لقد أصاب قومي بعدي شر ، ثم قاتلهم قتالا شديدا ، ثم راضخهم بالحجارة .
ولما التقى الناس ، ودنا بعضهم من بعض ، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها ، وأخذن الدفوف يضربن بها ، فقالت هند فيما تقول :
ويها بني عبد الدار ويها حماة الأدبار
ضربا بكل بتار
وتقول أيضا :
نحن بنات طارق نمشي على النمارق
الدر في المخانق والمسك في المفارق
إن تقبلوا نعانق أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
[ ص: 192 ] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع ، ذلك يقول : » . وروى «اللهم بك أجول ، وبك أصول ، وفيك أقاتل ، حسبي الله ونعم الوكيل الإمام أحمد عن ومسلم أنس عن والطبراني عبادة بن النعمان ، وإسحاق بن راهويه ، عن والبزار قالوا : عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم الزبير بن العوام أحد ، فأخذه رجال فجعلوا ينظرون إليه - وفي لفظ : فبسطوا أيديهم - كل إنسان يقول : أنا ، فقال : «من يأخذه بحقه ؟ » فأحجم القوم ، فقام رجال فأمسكه عنهم .
وعند ابن عتبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرضه طلبه منه ، فأعرض عنه ، ثم طلبه عمر فأعرض عنه ، فوجدا في أنفسهما من ذلك . الزبير
وعند عن إسحاق بن راهويه عمرو بن يحيى المازني أن طلبه ثلاث مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . الزبير
وعند عن الطبراني : أن قتادة بن النعمان قام فطلبه فقال له : اجلس ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من يأخذه بحقه ؟ » فقام إليه عليا - بضم الدال المهملة وبالجيم والنون - فقال : يا رسول الله ، وما حقه ؟ قال : «أن تضرب به في العدو حتى ينحني » . قال : أنا آخذه يا رسول الله بحقه . قال : «لعلك إن أعطيتكه تقاتل في الكيول » فأعطاه إياه ، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب ، وكان له عصابة حمراء يعلم بها عند الحرب ، يعتصب بها ، فإذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل ، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك ، فعصب بها رأسه ، فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت . وهكذا كانت تقول إذا اعتصب بها ، ثم جعل يتبختر بين الصفين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه يتبختر : «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن » . قال أبو دجانة : ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف لأبي دجانة وجدت في نفسي حين سألته فمنعني وأعطاه إياه ، وقلت : أنا الزبير ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قمت إليه وسألته إياه قبله ، فأعطاه إياه وتركني ، والله لأنظرن ما يصنع به ، فاتبعته ، فخرج وهو يقول :
أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول
قال : فجعل لا يمر بشيء إلا أفراه وفتكه ، وفلق به هام المشركين ، وكان إذا كل شحذه بالحجارة ، ثم يضرب به العدو كأنه منجل ، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا [ ص: 193 ] ذفف عليه ، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه ، فدعوت الله تعالى أن يجمع بينهما ، فالتقيا فاختلفا ضربتين ، فضرب المشرك فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه ، وضربه أبا دجانة فقتله . أبو دجانة
قال ابن عقبة : قال : وخرج رجل من المشركين نحو المسلمين وهو يقول : استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم ، وإذا رجل من المسلمين قائم ينتظره وعليه لأمته ، فمضيت حتى كنت من ورائه ، ثم قمت أقدر المسلم والكافر بنظري ، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة ، قال : فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا ، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف ، فبلغت وركيه وانفرق فرقتين ، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال : كيف ترى يا كعب ؟ أنا أبو دجانة . كعب بن مالك
قال : ثم رأيته حمل على مفرق رأس الزبير هند بنت عتبة ، ثم عدل السيف عنها ، فقلت له : كل سعيك رأيته فأعجبني غير أنك لم تقتل المرأة ، قال : إنها نادت : يا لصخر ! فلم يجبها أحد ، وفي لفظ : رأيت إنسانا يحمش الناس حمشا شديدا فصمدت إليه ، فلما حملت عليه السيف ولول . فإذا امرأة فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لا ناصر لها ، فقلت : الله ورسوله أعلم .
وذكر في رواية ابن إسحاق يونس أن رجلا من المشركين خرج فدعا إلى والزبير بن بكار البراز ، فأحجم عنه الناس ، حتى دعا ثلاثا وهو على جمل له ، فقام إليه فوثب حتى استوى معه على بعيره ، فعانقه ، فاقتتلا فوق البعير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الزبير بن العوام «الذي يلي حضيض الأرض مقتول ، فوقع المشرك » . ووقع عليه فذبحه ، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : الزبير » الزبير وقال : «لو لم يبرز إليه الزبير لبرزت إليه » ، لما رأى من إحجام الناس عنه . «إن لكل نبي حواريا ، وإن حواري
واقتتل الناس يومئذ قتالا شديدا ، وحميت الحرب ، وأبلى أبو دجانة الأنصاري ، ، وأسد الله ، وأسد رسوله وطلحة بن عبيد الله ، حمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب وأنس بن النضر ، ، بلاء شديدا . وأنزل الله تبارك وتعالى نصره على المسلمين ، وصدقهم وعده ، فحسوا المشركين بالسيف حتى كشفوهم عن العسكر ، ونهكوهم قتلا ، وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات ، كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة ، وكانت الرماة تحمي ظهور المسلمين ، ويرشقون خيل المشركين بالنبل ، فلا يقع إلا في فرس أو رجل ، فتولي هوارب ، وقال وسعد بن الربيع يوم عمر بن الخطاب أحد لأخيه : يا أخي ، خذ [ ص: 194 ] درعي هذه ، فقال له : إني أريد من الشهادة مثل ما تريد ، فتركاها جميعا ، رواه زيد بن الخطاب . أبو نعيم
ولما اشتد القتال يومئذ جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار ، وأرسل إلى أن قدم الراية ، فتقدم علي بن أبي طالب وقال : أنا أبو القصم ، وصاح علي طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء : من يبارز ؟ فلم يبرز إليه أحد ، فقال : يا أصحاب محمد ، زعمتم أن قتلاكم في الجنة ، وقتلانا في النار ، كذبتم ، واللات لو تعلمون أن ذلك حق لخرج إلي بعضكم ، فبرز إليه فالتقيا بين علي بن أبي طالب الصفين فبدره علي فصرعه ، ولم يجهز عليه ، فقال له بعض أصحابه : أفلا أجهزت عليه ؟ فقال : إنه استقبلني بعورته فعطفني عليه الرحم ، وعرفت أن الله تعالى قد قتله ، وكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كأني مردف كبشا » ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأظهر التكبير وكبر المسلمون ، وشدوا على المشركين يضربونهم حتى اختلت صفوفهم . قال أبو عبيدة : وفي ذلك يقول والزبير بن بكار الحجاج بن علاط - بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وآخره طاء مهملة - السلمي .
الله أي مذبب عن حرمة أعني ابن فاطمة المعم المخولا
جادت يداك لهم بعاجل طعنة تركت طليحة للجبين مجدلا
وشددت شدة باسل فكشفتهم بالجر إذ يهوون أخول أخولا
وعللت سيفك بالدماء ولم تكن لترده حران حتى ينهلا
وصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتائب متفرقة فحاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم ، فحمل لواءهم أبو شيبة عثمان بن أبي طلحة ، فحمل عليه [فضربه بالسيف على كاهله ] فقطع يده ورجله حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره فقتله ، فحمله حمزة بن عبد المطلب أبو سعد بن أبي طلحة ، فرماه ، فأصاب حنجرته ، فدلع لسانه ، فقتله ، فحمله سعد بن أبي وقاص مسافع بن طلحة [بن أبي طلحة ] فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح - بالقاف - فقتله ، فحمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله ، كلاهما يشعره سهما فيأتي أمه سلافة فيضع رأسه في حجرها ، فتقول : يا بني : من أصابك ؟ فيقول : سمعت رجلا رماني يقول : خذها وأنا ابن الأقلح ، فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر ، وجعلت لمن جاء به مائة من الإبل ، فحمل اللواء كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله ، وقيل : قزمان ، فحمله الزبير بن العوام الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة - وهو بضم الجيم وتخفيف اللام وفي آخره سين - فقتله ، فحمله طلحة بن عبيد الله أرطاة بن شرحبيل ، فقتله ، فحمله علي بن أبي طالب شريح بن قارظ - وهو بضم الشين المعجمة وفتح الراء فمثناة تحتية ساكنة فحاء مهملة ، وأبوه بقاف فألف فراء مكسورة فظاء معجمة مشالة - فليس يدرى من [ ص: 195 ] قتله ، فحمله أبو زيد بن عمير بن عبد مناف بن هاشم بن عبد الدار فقتله قزمان ، فحمله قاسط بن شرحبيل بن هاشم بن عبد الدار فقتله قزمان أيضا فحمله صؤاب - غلام لهم حبشي - فقالوا : لا نؤتين من قبلك فقطعت يمينه ، فأخذ اللواء بشماله فقطعت ، فالتزم القناة بصدره وعنقه وقال : اللهم هل أعززت ؟ فقالوا : نعم ، فرماه قزمان فقتله ، وهو أثبت الأقاويل ، فتفرق المشركون ، فأخذت اللواء عمرة بنت علقمة الحارثية فأقامته فثابوا عليه ، وفي لفظ : لأثوا به .
ولما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين ، لا يلوون على شيء ، ونساؤهم يدعون بالويل ، وتبعهم المسلمون يقتلونهم حيث شاءوا ، حتى أجهضوهم عن العسكر .
قال ، الزبير بن العوام : لقد رأيتنا ننظر إلى خدم هند بنت عتبة ، وصواحبها مشمرات هوارب يرفعن عن سوقهن ، حتى بدت خلاخلهن ، وانهزم القوم ما دون أخذهن قليل ولا كثير ، وكانت الهزيمة لا شك فيها ، ودخل المسلمون عسكر المشركين فانتهبوه . والبراء بن عازب