روى عن ابن أبي عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم عبد الله بن السائب أحد آخر أصحابه ، ولم يكن بينه وبين العدو غير يقاتل العدو ، فرصده وحشي فقتله ، وقد حمزة . قتل الله تعالى بيد حمزة من الكفار أحدا وثلاثين ، وكان يدعى : «أسد الله »
قال : وقاتل ابن إسحاق حتى قتل حمزة بن عبد المطلب أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم ، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء ، وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء وهو يقول :
إن على أهل اللواء حقا أن يخضبوا الصعدة أو تندقا
فحمل عليه فقتله . قال : وحشي كما رواه حمزة ابن إسحاق والطيالسي والبخاري وابن عائد عنه ، عن وابن أبي شيبة عمر قال وحشي : إن وابن إسحاق قتل حمزة طعيمة بن عدي ببدر ، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي مولاي - وأسلم بعد ذلك - : إن أنت قتلت جبير بن مطعم عم حمزة محمد بعمي فأنت حر ، فلما خرج الناس عام عينين - وعينين : جبل بجبال أحد بينه وبينه واد - فخرجت مع الناس إلى القتال ، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة ، قل أن أخطئ بها شيئا ، فلما التقى الناس خرجت أنظر وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق ، يهد الناس بسيفه هدا ، ما يقوم له شيء - وفي لفظ : ما يليق شيئا ، وفي لفظ : ما وقع له أحد إلا قمعه بالسيف ، وفي لفظ : رأيت رجلا لا يرجع حتى يهزمنا - فقلت : من هذا ؟ قالوا : حمزة . قلت : هذا صاحبي ، فوالله إني لأتهيأ له أريد منه ما أريد وأتستر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه حمزة سباع - بكسر المهملة وتخفيف الموحدة - ابن عبد العزى الغبشاني - بضم الغين وإسكان الموحدة وبالشين المعجمة - فلما رآه قال : هلم إلي يا بن مقطعة البظور - وكانت أمه ختانة حمزة بمكة - أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ ! ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب - وفي لفظ : فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه - وأكب عليه ليأخذ درعه ، وكمنت تحت صخرة ، فلما دنا مني - قال لحمزة عمير بن إسحاق : فعثر فانكشف الدرع عن بطنه ، فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة . انتهى . قال وحشي - كما عند حمزة الطيالسي - : جعلت ألوذ من بشجرة ومعي حربتي ، حتى إذا [ ص: 217 ] استمكنت منه هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته - وفي لفظ : في ثندوته - حتى خرجت من بين رجليه ، وجعل ينوء نحوي فغلب فوقع فتركته وإياها ، حتى إذا مات أتيته فأخذت حربتي ، ورجعت إلى العسكر فقعدت فيه ، ولم يكن لي بغيره حاجة ، إنما قتلته لأعتق ، فلما قدمت حمزة مكة عتقت .
ثم أقمت حتى إذا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف فكنت بها ، فلما خرج وفد أهل الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعيت علي المذاهب ، فقلت : ألحق بالشام أو اليمن أو ببعض البلاد ، فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال لي رجل : ويحك ، والله إنه ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه . فلما قال ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة .
قال وفي رواية ابن إسحاق يونس : المدينة قال الناس : يا رسول الله هذا وحشي ، فقال : «دعوه ، فلإسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف رجل كافر » . قال وحشي : فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أشهد شهادة الحق ، فلما رآني قال : «أوحشي ؟ » قلت : نعم ، يا رسول الله ، قال : «اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة ؟ » قال : فحدثته ، فلما فرغت من حديثي ، قال : «ويحك ! غيب وجهك عني فلا أراك ! » . لما قدم وحشي
وروى بسند لا بأس به ، وتمام الطبراني الرازي عن وحشي قال : حمزة تفل في وجهي ثلاث تفلات ، ثم قال : «لا ترني وجهك ! » قتل . لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
وروى بسند حسن عن وحشي : قال : الطبراني . أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا وحشي » ، قلت : نعم ، قال : «قتلت حمزة ؟ » فقلت : نعم ، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده ، فقالت له قريش : أتحبه وهو قاتل حمزة ؟ ! فقلت : يا رسول الله استغفر لي ، فتفل في الأرض ثلاثة ، ودفع في صدري ثلاثة ، وقال : «يا وحشي ، اخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله »
قلت : وكونه صلى الله عليه وسلم تفل في الأرض أصح من كونه تفل في وجهه ، لما علم من حيائه صلى الله عليه وسلم ومحاسن أخلاقه . قال وحشي : فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله تعالى ، فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم ، وأخذت حربتي التي قتلت بها ، فلما التقى الناس رأيت حمزة مسيلمة قائما في يده السيف وما أعرفه ، فتهيأت له وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده ، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه ، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف ، فربك أعلم أينا قتله ، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قتلت شر الناس .
[ ص: 218 ] قال محمد بن عمر في كتاب الردة : والأنصاري المبهم عبد الله بن زيد بن عاصم المازني ، وبه جزم إسحاق بن راهويه ، وقيل : هو والحاكم عدي بن سهل ، وجزم به سيف في الردة ، وقيل : ، وقيل : أبو دجانة ، قال الحافظ : والأول أشهر ، ولعل زيد بن الخطاب هو الذي أصابته ضربته ، وأما الآخران فحملا عليه في الجملة ، وأغرب وثيمة في كتاب الردة فزعم أن الذي ضرب عبد الله بن زيد مسيلمة اسمه شن - بفتح المعجمة وتشديد النون - ابن عبد الله . وأغرب من ذلك ما حكاه أن الذي قتل أبو عمر مسيلمة هو الجلاس بن بشير بن الأصم ، كذا في خط الحافظ : الجلاس بن بشير بن الأصم ، ولم أر له ذكرا في التجريد ، ولا في العجالة للبرهان النووي ، ولا في الإصابة للحافظ ، فالله أعلم .
وروى البخاري عن وابن إسحاق رضي الله عنهما - وكان قد شهد عبد الله بن عمر بن الخطاب اليمامة - قال : سمعت صارخا يقول : وا أميراه قتله العبد الأسود .
وذكر محمد بن عمر ، وتبعه في الإمتاع أن وحشيا لما قتل شق بطنه وأخرج كبده ، فجاء بها إلى حمزة هند بنت عتبة ، فقال : هذه كبد حمزة ، فمضغتها ثم لفظتها ، ونزعت ثيابها وحليتها ، فأعطته لوحشي ، ووعدته إذا جاء مكة أن تعطيه عشرة دنانير ، وقامت معه حتى أراها مصرع حمزة ، فقطعت من كبده وجدعت أنفه ، وقطعت أذنيه ، ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين ، حتى قدمت بذلك مكة .
ومر الحليس - وهو بالحاء المهملة مصغرا - ابن زبان - بزاي فموحدة مشددة - وهو يومئذ سيد الأحابيش ، بأبي سفيان وهو يضرب في شدق رضي الله عنه بزج الرمح ، وهو يقول : ذق عقق ، فقال حمزة الحليس : يا بني كنانة ، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما ، فقال : ويحك ، اكتمها علي ، فإنها كانت زلة . وعلت هند صخرة مشرفة وصرخت بأعلى صوتها فقالت :
نحن جزيناكم بيوم بدر والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ولا أخي وعمه وبكري
شفيت نفسي وقضيت نذري شفيت وحشي غليل صدري
فشكر وحشي علي عمري حتى ترم أعظمي في قبري
فأجابتها هند بنت أثاثة - بضم الهمزة وبثاءين مثلثتين - ابن عباد بن المطلب فقالت :
خزيت في بدر وبعد بدر يا بنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر م الهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حسام يفري حمزة ليثي وعلي صقري
[ ص: 219 ] إذ رام شيب وأبوك غدري فخضبا منه ضواحي النحر