ابن أبي في هذه الغزوة من النفاق ذكر ما ظهر من
بينما المسلمون على ماء المريسيع وقد انقطع الحرب ، وهو ماء ظنون إنما يخرج في الدلو نصفه ، أتى سنان بن وبر الجهني وعلى الماء جمع من المهاجرين والأنصار ، فأدلى دلوه وأدلى جهجاه بن مسعود الغفاري أجير ، فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه ، وتنازعا فضرب جهجاه سنانا فسال الدم ، فنادى سنان : يا للأنصار ، ونادى جهجاه : يا للمهاجرين ، وفي لفظ : يا لقريش ، عمر بن الخطاب
فأقبل جمع من الحيين ، وشهروا السلاح حتى كادت أن تكون فتنة عظيمة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال دعوى الجاهلية ؟ ! فأخبر بالحال فقال :
، فإن كان ظالما فلينهه ، وإن كان مظلوما فلينصره» «دعوها فإنها منتنة ، ولينصر الرجل أخاه ظالما كان أو مظلوما .
وإن جماعة من المهاجرين كلموا ، وجماعة من الأنصار كلموا سنانا فترك حقه ، وكان عبد الله بن أبي جالسا مع عشرة مع المنافقين : [منهم] عبادة بن الصامت مالك ، وسويد ، وداعس ، وأوس بن قيظي ، ومعتب بن قشير ، وزيد بن اللصيت وعبد الله بن نبتل ، وفي القوم رضي الله عنه وهو غلام لم يبلغ الحلم أو قد بلغ ، فبلغ ابن أبي صياح جهجاه : يا آل قريش ، فغضب ابن أبي غضبا شديدا ، وقال : والله ما رأيت كاليوم قط ، والله إن كنت لكارها لوجهي هذا ، ولكن قومي غلبوني ، أو قد فعلوها ؟ لقد نافرونا وكاثرونا في بلدنا ، وأنكروا منتنا ، والله ما صرنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل : «سمن كلبك يأكلك» ، والله لقد ظننت أني سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما هتف به جهجاه ، وأنا حاضر لا يكون لذلك مني غير ، والله لئن رجعنا إلى زيد بن أرقم المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . ثم أقبل علي من حضر من قومه ، فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم : أنزلتموهم بلادكم فنزلوا ، وأسهمتموهم في أموالكم حتى استغنوا ، أما والله لو أمسكتم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم ، ثم لم يرضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا ، فقتلتم دونه ، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا .
فقام بهذا الحديث كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده نفرا من المهاجرين والأنصار ، فأخبره الخبر ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وتغير وجهه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا . [ ص: 349 ] زيد بن أرقم
غلام لعلك غضبت عليه ! قال : لا والله يا رسول الله ، فقد سمعته منه ، قال : لعله أخطأ سمعك ، قال : لا والله يا رسول الله ، قال : فلعله شبه عليك ، قال : لا والله يا رسول الله .
وشاع في العسكر ما قال ابن أبي ، وليس للناس حديث إلا ما قال ، وجعل الرهط من الأنصار يؤنبون الغلام ويلومونه ، ويقولون : عمدت إلى سيد قومك تقول عليه ما لم يقل ، وقد ظلمت وقطعت الرحم ! فقال زيد : والله لقد سمعت ما قال ، والله ما كان في الخزرج رجل واحد أحب إلي من عبد الله بن أبي ، ولو سمعت هذه المقالة من أبي لنقلتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإني لأرجو أن ينزل الله على نبيه ما يصدق حديثي .
فقال : يا رسول الله ، مر عمر بن الخطاب ويقال : عباد بن بشر- محمد بن مسلمة - فليأتك برأسه ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة ، وقال : لا يتحدث الناس إن محمدا يقتل أصحابه ،
وقام النفر من الأنصار الذين سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم ورده على الغلام ، فجاءوا إلى ابن أبي فأخبروه . وقال أوس بن خولي . يا أبا الحباب ، إن كنت قلته فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فليستغفر لك . ولا تجحده ، فينزل فيك ما يكذبك ، وإن كنت لم تقله فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر له ، واحلف له ما قلته . فحلف بالله العظيم ما قال من ذلك شيئا .
ثم مشى ابن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ابن أبي إن كانت منك مقالة فتب ، فجعل يحلف بالله ما قلت ما قال زيد ، ولا تكلمت به !
فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل» ، حدبا علي ابن أبي ودفعا عنه ، وكان شريفا في قومه عظيما ، فظان يظن أنه قد صدق ، وظان يظن به السوء .