ذكر بدر ونزول الملائكة لنصره دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
قال ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العريش ، ومعه ابن إسحاق : رضي الله عنه ليس معه غيره ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ، يقول فيما يقول : «اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض» أبو بكر الصديق وأبو بكر رضي الله عنه يقول : «يا رسول الله بعض مناشدتك ربك ، فإن الله منجز لك ما وعدك» .
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن والطبراني رضي الله عنه أبي أيوب الأنصاري قال : «يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من أن يشار عليه ، وإن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن ينشد وعده» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عبد الله بن رواحة ابن [ ص: 37 ] رواحة لأنشدن الله وعده ، إن الله لا يخلف الميعاد» . أن
وروى ابن سعد وابن جرير ، رضي الله عنه قال : لما كان يوم علي بن أبي طالب بدر قاتلت شيئا من قتال ، ثم جئت مسرعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر ما فعل ، فإذا هو ساجد يقول : «يا حي يا قيوم» لا يزيد عليهما ، ثم رجعت إلى القتال ، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك ، ثم ذهبت إلى القتال ثم رجعت وهو ساجد يقول ذلك [ففتح الله عليه] . عن
وروى بسند حسن ، عن البيهقي رضي الله عنه قال : ابن مسعود بدر ، جعل يقول : «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد» ثم التفت كأن وجهه شقة قمر ، فقال : «كأنما أنظر إلى مصارع القوم العشية» . ما سمعت مناشدا ينشد مقالة أشد مناشدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه يوم
وروى عن البيهقي ، ابن عباس وحكيم بن حزام ، وإبراهيم التيمي قالوا :
وأبو بكر يقول له : «والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك» وخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ، ثم انتبه فأنزل الله عز وجل ألفا من الملائكة مردفين عند أكناف العدو ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أبشر يا هذا أبا بكر ، جبريل متعمم بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض ، فلما نزل إلى الأرض تغيب عني ساعة ، ثم طلع على ثناياه النقع يقول : أتاك نصر الله إذ دعوته» . لما حضر القتال رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يسأل الله النصر وما وعده ، ويقول : «اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك ، وما يقوم لك دين» .
وروى والإمام ابن أبي شيبة أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم عن والترمذي رضي الله عنه قال : عمر بن الخطاب بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ، ثم مد يديه ، فجعل يهتف بربه يقول : «اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آتني ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»
فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه فأخذ رداءه وألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ردائه ، فقال : «يا نبي الله كفاك تناشد ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك» فأنزل الله تعالى : [ ص: 38 ] أبو بكر إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [الأنفال : 9] فأمده الله تعالى بالملائكة . لما كان في يوم
وروى عن سعيد بن منصور ، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم ، فركع ركعتين ، وقام عن يمينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته : «اللهم لا تودع مني ، اللهم لا تخذلني ، اللهم أنشدك ما وعدتني» . أبو بكر لما كان يوم
وروى البخاري والنسائي عن وابن المنذر ، ابن عباس : بدر : «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم» فأخذ بيده فقال : حسبك يا رسول الله ، لقد ألححت على ربك . فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول : أبو بكر سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر [القمر : 45 ، 46] وأنزل الله تعالى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة يوم إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [الأنفال : 9] أي : متتابعين يتبع بعضهم بعضا ، وأنزل الله عز وجل : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين [آل عمران : 124] إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان [الأنفال : 12] .
قال وكانت الملائكة لا تعلم كيف تقتل الآدميين فعلمهم الله تعالى بقوله : ابن الأنباري : فاضربوا فوق الأعناق أي : الرؤوس واضربوا منهم كل بنان أي : مفصل .
وروى أبو يعلى والحاكم عن والبيهقي ، رضي الله قال : بينما أنا أمتح من قليب علي بدر جاءت ريح شديدة ما رأيت مثلها قط ، ثم ذهبت ، ثم جاءت ريح شديدة لم أر مثلها قط إلا التي كانت قبلها ، ثم جاءت ريح شديدة ، قال : فكانت الريح الأولى جبريل صلى الله عليه وسلم ، نزل في ألف من الملائكة ، وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عن يمينه ، وكانت الثالثة أبو بكر إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في الميسرة ، فلما هزم الله تعالى أعداءه حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه ، فجمزت بي ، فلما جمزت خررت على عنقها فدعوت ربي فأمسكني ، فلما استويت عليها طعنت بيدي هذه في القوم حتى خضبت هذا ، وأشار إلى إبطه . [ ص: 39 ]
وروى البخاري عن والبيهقي ، رضي الله عنهما : ابن عباس بدر : «هذا جبريل آخذ برأس فرسه وعليه أداة الحرب» . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم
وروى ابن إسحاق عن وابن جرير ، عن رجل من ابن عباس بني غفار قال : حضرت أنا وابن عم لي بدرا ونحن على شركنا فإنا لفي جبل ننظر الوقعة على من تكون الدبرة فننتهب ، فأقبلت سحابة ، فلما دنت من الجبل سمعنا فيها حمحمة وسمعنا فيها فارسا يقول : أقدم حيزوم ، فأما صاحبي فانكشف قناع عليه ، فمات ، وأما أنا فكدت أهلك ، ثم انتعشت بعد ذلك .
وروى محمد بن عمر الأسلمي ، عن أبي رهم الغفاري ، عن ابن عم له قال : بينا أنا وابن عم على ماء ببدر فلما رأينا قلة من مع محمد وكثرة قريش قلنا : إذا التقت الفئتان عمدنا إلى عسكر محمد وأصحابه فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحابه ، ونحن نقول : هؤلاء ربع قريش ، فبينا نحن نمشي في الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا فرفعنا أبصارنا إليها ، فسمعنا أصوات الرجال والسلاح ، وسمعنا رجلا يقول لفرسه : أقدم حيزوم ، وسمعناهم يقولون : رويدا تتام أخراكم . فنزلوا على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جاءت أخرى مثل ذلك ، فكانت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فإذا هم على الضعف من قريش ، فمات ابن عمي ، وأما أنا فتماسكت ، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأسلمت .
وروى مسلم عن وابن مردويه ، قال : ابن عباس بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه ، وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم؛ إذ نظر إلى المشرك أمامه مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه ، وشق وجهه كضربة السوط ، فاخضر ذلك الموضع أجمع ، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «صدقت؛ ذلك مدد من السماء الثالثة» .
وروى ابن إسحاق عن وإسحاق بن راهويه ، ابن أسيد الساعدي أنه قال بعدما عمي : لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة ، لا أشك فيه ولا أتمارى . [ ص: 40 ]
وروى الإمام أحمد والبزار برجال الصحيح ، عن والحاكم قال : قيل لي علي ولأبي بكر يوم بدر ، قيل لأحدنا : معك جبريل ، وقيل للآخر : معك ميكائيل ، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل يكون في الصف .
روى عن إبراهيم الحربي ، قال : لقينا يوم أبي سفيان بن الحارث بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض .
وروى وصححه الحاكم البيهقي عن وأبو نعيم ، قال : لقد رأيتنا يوم سهل بن حنيف بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك ، فيقع رأسه قبل أن يصل إليه .
وروى عن البيهقي قال : كان الناس يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوه بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد احترق . الربيع بن أنس
وروى البيهقي عن وابن عساكر ، رضي الله عنه قال : لقد رأيت يوم سهيل بن عمرو بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ، معلمين ، يقتلون ويأسرون .
وروى عن البيهقي خارجة بن إبراهيم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : من القائل يوم بدر من الملائكة : أقدم حيزوم ؟ فقال جبريل : ما كل أهل السماء أعرف .
وروى عن البيهقي قال : لقد رأيتنا يوم حكيم بن حزام بدر وقد وقع بوادي خلص بجاد من السماء قد سد الأفق ، فإذا الوادي يسيل نملا فوقع في نفسي أن هذا شيء أيد به محمد صلى الله عليه وسلم ، فما كانت إلا الهزيمة ، وهي الملائكة .
وروى محمد بن عمر الأسلمي : جبريل يسوق الريح كأنه إني نصرت بالصبا ، وأهلكت دحية الكلبي ، عاد بالدبور» . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : «هذا
وروى محمد بن عمر الأسلمي عن وابن عساكر ، قال : رأيت يوم عبد الرحمن بن عوف بدر رجلين : عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما ، وعن يساره أحدهما ، يقاتلان أشد القتال ، ثم ثلثهما ثالث من خلفه ، ثم ربعهما رابع أمامه .
وروى ابن سعد عن حويطب بن عبد العزى ، قال : لقد شهدت بدرا مع المشركين فرأيت عبرا ، رأيت الملائكة تقتتل وتأسر بين السماء والأرض .
وروى البيهقي عن السائب بن أبي حبيش رضي الله عنه أنه كان يقول : والله ما أسرني أحد من الناس ، فيقال : فمن ؟ فيقول : لما انهزمت قريش انهزمت معها فيدركني رجل أبيض طويل على فرس أبلق بين السماء والأرض ، فأوثقني رباطا ، وجاء فوجدني مربوطا ، فنادى في العسكر : من أسر هذا ؟ فليس أحد يزعم أنه أسرني ، حتى انتهى بي [ ص: 41 ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا عبد الرحمن بن عوف ابن أبي حبيش من أسرك ؟ » فقلت : لا أعرفه ، وكرهت أن أخبره بالذي رأيت ، فقال : «أسرك ملك من الملائكة» .
وروى محمد بن عمر الأسلمي عن والبيهقي ، رضي الله عنه قال : أبي بردة بن نيار بدر بثلاثة رؤوس فقلت له : يا رسول الله ، أما رأسان فقتلتهما ، وأما الثالث فإني رأيت رجلا أبيض طويلا ضربه فأخذت رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذاك فلان من الملائكة» . جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
وروى عن البيهقي ، قال : كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس يثبتونهم ، فيقول : إني قد دنوت منهم وسمعتهم يقولون : لو حملوا علينا ما ثبتنا ، ليسوا بشيء ، إلى غير ذلك من القول . ابن عباس
وروى ابن راهويه وأبو نعيم بسند حسن ، عن والبيهقي ابن جبير بن مطعم قال : رأيت قبل هزيمة القوم ، والناس يقتتلون ، مثل البجاد الأسود مبثوثا ، حتى امتلأ الوادي ، فلم أشك أنها الملائكة ، فلم يكن إلا هزيمة القوم .
وروى الإمام أحمد وابن سعد عن وابن جرير ، ابن عباس ، عن والبيهقي رضي الله عنهما ، قال : علي العباس أبو اليسر -بالمثناة التحتية والسين المهملة- وكان رجلا مجموعا وكان رجلا جسيما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا العباس أبا اليسر كيف أسرت العباس ؟ » قال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده ، هيئته كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد أعانك عليه ملك كريم» . كان الذي أسر
وروى ابن سعد عن وأبو الشيخ عطية بن قيس قال : بدر جاء جبريل على فرس أنثى أحمر ، عليه درعه ، ومعه رمحه ، فقال : يا محمد ، إن الله بعثني إليك وأمرني ألا أفارقك حتى ترضى ، هل رضيت ؟ قال : «نعم ، رضيت ، فانصرف» . لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال
وروى عن أبو يعلى قال : جابر بدر إذ تبسم في صلاته ، فلما قضى صلاته قلنا يا : رسول الله رأيناك تبسمت ، قال : «مر بي ميكائيل وعلى جناحه أثر الغبار ، وهو راجع من طلب القوم ، فضحك إلي فتبسمت إليه» . كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
[ ص: 42 ] وروى عن البخاري رفاعة بن رافع الزرقي قال : جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ » قلنا : من أفضل المسلمين ، أو كلمة نحوها . قال جبريل : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة . جاء
وروى ابن سعد عن عكرمة قال : كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدرى من ضربه ، وتندر يد الرجل لا يدرى من ضربه .
وروى ابن جرير عن وابن المنذر ، في قوله تعالى : ابن عباس مردفين قال : وراء كل ملك ملك .
وروى عبد بن حميد عن وابن جرير ، في الآية قال : متتابعين ، أمدهم الله تعالى بألف ثم بثلاثة ، ثم أكملهم خمسة آلاف . قتادة
وروى ابن إسحاق عن والبيهقي قال : إني لأتبع يوم أبي واقد الليثي بدر رجلا من المشركين لأضربه فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أن غيري قتله .
وروى عن البيهقي ، حمزة بن صهيب ، عن أبيه قال : ما أدري كم يد مقطوعة أو ضربة جائفة لم يدم كلمها يوم بدر ، وقد رأيتها .
وروى عن أبو نعيم أبي دارة قال : حدثني رجل من قومي من بني سعد بن بكر قال : إني لمنهزم يوم بدر إذ أبصرت رجلا بين يدي منهزما ، فقلت : ألحقه ، فأستأنس به ، فتدلى من جرف ولحقته ، فإذا رأسه قد زايله ساقطا ، وما رأيت قربه أحدا .
وروى عن الطبراني رفاعة بن رافع ، وابن جرير وابن المنذر عن وابن مردويه ، قال : أمد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف ، فكان ابن عباس جبريل في خمسمائة مجنبة ، وميكائيل في خمسمائة مجنبة ، وجاء إبليس في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجال من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس ، وإني جار لكم ، وأقبل جبريل إلى إبليس فلما رآه -وكانت يده في يد رجل من المشركين- انتزع إبليس يده ، ثم ولى مدبرا وشيعته ، فقال الرجل : يا سراقة ، ألست تزعم أنك جار لنا ، فقال : إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله ، والله شديد العقاب ، فذلك حين رأى الملائكة ، فتشبث به الحارث بن هشام ، وأسلم بعد ذلك ، وهو يرى أنه سراقة لما سمع كلامه ، فضرب الشيطان في صدر الحارث فسقط الحارث ، وانطلق إبليس لا يلوي ، حتى سقط في البحر ، ورفع يديه وقال : يا رب ، موعدك الذي وعدتني ، اللهم إني أسألك نظرتك [ ص: 43 ] إياي . وخاف أن يخلص إليه القتل ، فقال أبو جهل : يا معشر الناس لا يهمنكم خذلان سراقة ، فإنه كان على ميعاد من محمد ، ولا يهمنكم قتل عتبة وشيبة ، فإنهم قد عجلوا ، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه بالحبال ، ولا ألفين رجلا منكم قتل رجلا منهم ، ولكن خذوهم أخذا حتى نعرفهم سوء صنيعهم .
ويروى أنهم رأوا سراقة بمكة بعد ذلك فقالوا له : يا سراقة أخرمت الصف ، وأوقعت فينا الهزيمة ، فقال : والله ما علمت بشيء من أمركم حتى كانت هزيمتكم ، وما شهدت وما علمت ، فما صدقوه حتى أسلموا وسمعوا ما أنزل الله تعالى فيه . فعلموا أنه كان إبليس تمثل لهم .
وروى عن ابن أبي حاتم قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن الشعبي كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق ذلك عليهم ، فأنزل الله تعالى : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين [آل عمران : 124 ، 125] فبلغ كرزا الهزيمة فرجع ولم يأتهم فلم يمددهم الله بالخمسة آلاف ، وكانوا قد أمدوا بألف من الملائكة .
وروى عبد بن حميد عن وابن جرير ، في قوله : قتادة مردفين قال : متتابعين ، أمدهم الله تعالى بألف ، ثم بثلاثة ، ثم أكملهم بخمسة آلاف .