السادس : قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى ما حاصله : رضي الله عنه كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال ، أبا بكر بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم؛ لأنه كان أول مشهد شهده ، فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال؛ لتسكن نفوسهم عند ذلك؛ لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة ، فلما قال له لا يجوز أن يتوهم أحد أن ما قال كف عن ذلك ، وعلم أنه استجيب له ، لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة؛ فلهذا عقبه بقوله : أبو بكر سيهزم الجمع [القمر : 45] .
وقال رحمه الله تعالى : كان النبي صلى الله عليه وسلم في مقام الخوف ، وصاحبه في مقام الرجاء ، وكلا المقامين سواء في الفضل . قال تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي السهيلي : لا يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم والصديق سواء ، ولكن الرجاء والخوف مقامان لا بد للإيمان منهما ، فأبو بكر كان في تلك الساعة في مقام الرجاء لله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مقام الخوف من الله تعالى؛ لأن الله تعالى يفعل ما يشاء ، فخاف ألا يعبد الله تعالى في الأرض بعدها .
وقال قاسم بن ثابت في دلائله : إنما قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال معاونة ورقة عليه؛ لما رأى من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه ، فقال له : بعض هذا يا رسول الله ، أي : لم تتعب نفسك هذا التعب والله تعالى قد وعدك بالنصر ؟ ! وكان رقيق القلب ، شديد الإشفاق على النبي صلى الله عليه وسلم ، وزل من لا علم عنده ممن ينسب إلى التصوف في هذا الموضع زللا شديدا ، فلا يلتفت إليه ، ولعل الصديق أشار إليه . الخطابي