الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الحادي عشر : في الكلام على قوله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال : 17] .

                                                                                                                                                                                                                              قال في زاد المعاد : اعتقد جماعة أن المراد بالآية سلب فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإضافته إلى الرب تبارك وتعالى حقيقة ، وجعلوا ذلك أصلا للجبر ، وإبطال نسبة الأفعال ونسبتها إلى الرب تبارك وتعالى وحده ، وهذا غلط منهم في فهم القرآن ، فلو صح ذلك لوجب طرده فيقال : ما صليت إذ صليت ، ولا صمت إذ صمت ، ولا فعلت كل ذلك إذ فعلت ، ولكن الله فعل ذلك ، فإن طردوا ذلك لزمهم في أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم؛ إذ لا فرق ، وإن خصوه برسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله جميعها أو رمية واحدة ناقضوا ، فهؤلاء لم يوفقهم الله تعالى لفهم ما أريد بالآية ، ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ ، فكان منه صلى الله عليه وسلم هذا الرمي ، وهو الحذف ، ومن الرب سبحانه وتعالى نهايته وهو الإيصال ، فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه ونفى عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته ، ونظير هذه الآية نفسها قوله تعالى : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم [الأنفال : 17] ثم قال : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فأخبر أنه سبحانه وتعالى وحده هو الذي تفرد بإيصال الحصا إلى أعينهم ، ولم يكن برسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن وجه الإشارة بالآية أنه سبحانه وتعالى أقام أسبابا تظهر للناس ، فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنصرة مضافا إليه وبه ، وهو خير الناصرين .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية