الثالث عشر : اختلف في ليس لك من الأمر شيء [آل عمران 128 ] فروى سبب نزول قوله تعالى : ابن أبي شيبة والشيخان عن والإمام أحمد رضي الله عنه ، أنس ، عن وابن جرير ، قتادة وعبد الله بن حميد عن الحسن ، عن وابن جرير الربيع : . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج وجهه حتى سال الدم على وجهه ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم فقال : «كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم ، وهو يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى الشيطان ، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضلالة ، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار » فهم أن يدعو عليهم ، فنزلت ، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم
[ ص: 246 ] وروى الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن والنسائي رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم ابن عمر أحد : . «اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو ، اللهم العن صفوان بن أمية » ، فنزلت فتيب عليهم كلهم
وروى الشيخان ، عن وابن جرير رضي الله عنه : أبي هريرة . وكان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد ، أو يدعو لأحد ، قنت بعد الركوع : «اللهم انج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف » ، يجهر بذلك ليس لك من الأمر شيء الآية . وفي لفظ : يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر : «اللهم العن فلانا » ، لأحياء من العرب ، حتى أنزل الله تعالى ، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت هذه الآية . «اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان وعصية ، عصت الله ورسوله »
وروى ابن إسحاق والنحاس في ناسخه ، عن سالم بن عبد الله ، قال : جاء رجل من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنك تنهى عن السب ، ثم تحول فحول قفاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكشف عن استه ، فلعنه ودعا عليه ، فنزلت ثم أسلم الرجل ، فحسن إسلامه .
قال الحافظ : حديث وحديث أنس سيان لنزول الآية ، ويحتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا ، فإنهما كانا في وقعة واحدة ، والرواية الثانية عن ابن عمر إن كانت محفوظة احتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن وقعة أحد ، لأن قصة أبي هريرة رعل وذكوان كانت بعد أحد ، والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم . بسبب قصة أحد ، والله أعلم . ويؤيد ذلك قوله في صدر الآية : ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم [آل عمران 127 ] أي يخزيهم ثم قال : أو يتوب عليهم أي فيسلموا أو يعذبهم أي إن ماتوا كفارا .
الرابع عشر : في مداواته صلى الله عليه وسلم جرحه إشارة إلى ، وأن جواز التداوي ، ليعظم لهم بذلك الأجر ، وتزداد درجاتهم ، وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره ، والعاقبة للمتقين . الأنبياء صلى الله عليه وسلم قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام
الخامس عشر : قال العلماء : ، وذلك لأنه في القتال لا يكون إلا من الوثوق بالله تعالى والفراغ من الدنيا ، ولا يكون في الصلاة إلا من غاية البعد عن الله تعالى ، ثم ذلك النعاس كان فيه فوائد ، لأن السهر يوجب الضعف والكلال ، والنوم يفيد عود القوة والنشاط ، ولأن المشركين كانوا في غاية الحرص على قتلهم ، [ ص: 247 ] فبقاؤهم في النوم مع السلامة في تلك المعركة من أدل الدلائل على حفظ الله تعالى لهم ، ذلك مما يزيل الخوف من قلوبهم ، ويورثهم الأمن ، ولأنهم لو شاهدوا قتل إخوانهم الذين أراد الله تعالى إكرامهم بالشهادة لاشتد خوفهم . النعاس في القتال أمنة ، وفي الصلاة من الشيطان
السادس عشر : قوله : ، قيل : فقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عن المثلة بالعرنيين فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وتركهم بالحرة ، وأجيب عن ذلك بأمرين : أحدهما : أنه فعل ذلك بهم قصاصا ، لأنهم قطعوا أيدي الرعاء وأرجلهم ، وسملوا أعينهم ، كما ذكر ، كما سيأتي ذلك في أبواب أحكامه صلى الله عليه وسلم في الحدود . ثانيهما : أن ذلك كان قبل تحريم المثلة . أنس
السابع عشر : وقع في رواية أبي الوقت والأصيلي من رواة في باب غزوة البخاري أحد من حديث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : ابن عباس . قال الحافظ : وهو وهم من وجهين : أحدهما : أن هذا الحديث تقدم سنده ومتنه في باب شهود الملائكة بدرا ، ولهذا لم يذكره هنا «هذا جبريل آخذ برأس فرسه [عليه أداة الحرب ] » ولا غيره من متقني رواة أبو ذر ، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا البخاري . الثاني : أن المعروف في هذا المتن يوم أبو نعيم بدر لا يوم أحد .
الثامن عشر : : قتل عبد الرحمن بن عوف هو خير مني مصعب بن عمير . لعله قاله تواضعا ، ويحتمل أن يكون ما استقر عليه الأمر من تفضيل العشرة على غيرهم ، بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . وقد وقع من قول رضي الله عنه نظير ذلك ، كما تقدم في قتل أبي بكر الصديق . سعد بن الربيع
التاسع عشر : أنس بن النضر : إني لأجد ريح الجنة دون أحد ، يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة على ما يعهده ، فعرف أنها الجنة ، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين ، حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده ، والمعنى أن الموضع الذي قاتل فيه يؤول بصاحبه إلى الجنة . قول
العشرون : روى عمن لا يتهم عن ابن إسحاق مقسم عن قال : ابن عباس . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى فوضعوا إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم ثنتين وسبعين صلاة
قال السهيلي : هذا حديث ضعيف لضعف الحسن بن عمارة الذي أبهمه ، وإن كان غيره فهو مجهول ، ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهيد في شيء من مغازيه إلا في هذه الرواية ، في غزوة ابن إسحاق أحد ، وكذلك لم يصل أحد من الأئمة بعده .
وروى من طريق الإمام أحمد ، عن الشعبي ، عن عطاء بن السائب ، نحو رواية ابن مسعود ، قال في البداية : سنده ضعيف من جهة ابن عباس ، ويرده ما رواه الستة : إلا عطاء بن السائب مسلما عن رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين [ ص: 248 ] من قتلى جابر بن عبد الله أحد ، ثم يقول : ولا يخالف هذا ما رواه الشيخان ، «أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ، وأمر بدفنهم ، ولم يصل عليهم ، ولم يغسلوا » وأبو داود ، عن والنسائي رضي الله عنه عقبة بن عامر كالمودع للأحياء والأموات . لأن المراد بالصلاة هنا الدعاء ، وقوله : صلاته على الميت المراد به كدعائه للميت من غير نية ولا تكبير . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت
قال الإمام رضي الله عنه : جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد ، وما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم وكبر على الشافعي سبعين تكبيرة لا يصح ، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه ، قال : وأما حديث حمزة فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين ، يعني والمخالف يقول : لا يصلى على القبر إذا طالت المدة ، قال : وكان صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم ، حين علم قرب أجله توديعا لهم بذلك ، ولا يدل ذلك على نسخ هذا الحكم الثابت . عقبة بن عامر
الحادي والعشرون : اختلف في عدة من ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فروى البخاري ، وأبو نعيم واللفظ له ، عن والإسماعيلي معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال : سمعت أبا عثمان يعني النهدي يقول : لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام - وفي رواية : التي يقاتل فيهن - غير طلحة وسعد ، قال سليمان : فقلت لأبي عثمان : وما علمك بذلك ؟ قال : عن حديثهما ، يعني أن سعدا أخبرا وطلحة أبا عثمان بذلك .
قال الحافظ : وهذا قد يعكر عليه ما ورد أن المقداد كان ممن بقي معه ، كما تقدم في القصة في حديث سعد ، لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد الجولة ، ويحتمل أن يكون انفرادهما معه في بعض المقامات ، وقد روى من طريق ثابت ، عن مسلم قال : أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أنس أحد في سبعة ورجلين من قريش ، وكان المراد بالرجلين طلحة وسعد ، وكان المراد بالحصر المذكور تخصيصه بالمهاجرين ، كأنه قال : لم يبق معه من المهاجرين غير هذين ، ويتعين حمله على ما أولته ، وأن ذلك باعتبار اختلاف الأحوال ، وأنهم تفرقوا في القتال ، فلما وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان : «قتل محمد » ، اشتغل كل واحد بهمه والذب على نفسه ، كما في حديث سعد ، ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا إليه أولا فأولا ، ثم بعد ذلك كان يندبهم إلى القتال فيشتغلون به .
[ ص: 249 ] وفي حديث الزبير عن بإسناد حسن قال : مال الرماة يوم ابن إسحاق أحد يريدون النهب ، فأتينا من ورائنا وصرخ صارخ : «ألا إن محمدا قد قتل » ، فانكفأنا راجعين .
وروى ابن عائذ عن المطلب بن عبد الله بن خطب مرسلا : أن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى بقي في اثني عشر رجلا من الأنصار .
وللنسائي في الدلائل ، عن والبيهقي رضي الله عنهما قال : تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار جابر بن عبد الله . وإسناده جيد وهو كحديث وطلحة إلا أن فيه زيادة أربعة ، فلعلهم جاءوا بعد ذلك . وعند أنس محمد بن سعد : أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا : سبعة من المهاجرين ، منهم أبو بكر . ويجمع بينه وبين حديث أبي عثمان بأن سعدا جاءهم بعد ذلك كما حديثه في القصة ، وأن المذكورين من الأنصار استشهدوا ، كما في حديث عند أنس : فلم يبق غير مسلم سعد . ثم جاء من بعدهم . وأما المقداد فيحتمل أن يكون استمر مستقلا بالقتال . وذكر وطلحة أن جماعة غير من ذكر ثبتوا كما ذكرته في القصة ، فإن ثبت حمل على أنهم ثبتوا فيمن حضر عنده في الجملة ، وما تقدم فيمن حضر عنده صلى الله عليه وسلم ، أولا فأولا . الواقدي
وقال الحافظ في موضع آخر : صار الصحابة عند ترك الرماة مواقعهم وقول الشيطان : «قتل محمد » ثلاث فرق : فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة ، فما رجعوا حتى فرغ القتال ، وهم قليل ، وهم الذين نزل فيهم : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان [آل عمران 155 ] وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا ذلك ، فصارت غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه ، أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل ، وهم أكثر الصحابة ، وفرقة ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئا فشيئا لما عرفوا أنه حي ، وبهذا يجمع بين مختلف الأخبار في عدة من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثاني والعشرون : وقع في الهدى أن أحد كانوا خمسين رجلا ، وهو سبق قلم ، وإنما هذا عدد الرماة ، وقد جزم الفرسان من المسلمين يوم بأن المسلمين لم يكن معهم شيء من الخيل . وذكر موسى بن عقبة أنه كان معهم فرسان : فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفرس الواقدي لأبي بردة .
الثالث والعشرون : اختلف في ، فقال الجمهور : منهم عدد المسلمين يومئذ في رواية : كان المشركون ثلاثة آلاف والمسلمون بعد انخذال ابن شهاب ابن أبي سبعمائة . وروى عن البيهقي في رواية أخرى قال : كان المسلمون قريبا من أربعمائة رجل . قال ابن شهاب : وقول البيهقي الأول أشبه بما رواه ابن شهاب ، وأشهر عند أهل المغازي . موسى بن عقبة