الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : المصطلق- بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وكسر اللام بعدها قاف- مفتعل من الصلق وهو رفع الصوت ، وهو لقب ، واسمه جذيمة- بجيم فذال معجمتين مفتوحة فتحتية ساكنة- ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة : بطن من بني خزاعة .

                                                                                                                                                                                                                              والمريسيع- بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما سين مهملة مكسورة وآخره عين مهملة- وهو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم ، مأخوذ من قولهم : رسعت عين الرجل ، إذا دمعت من فساد .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : اختلف في زمن هذه الغزوة ، فقال ابن إسحاق : في شعبان سنة ست ، وبه جزم خليفة بن خياط والطبري .

                                                                                                                                                                                                                              وقال قتادة وعروة : كانت في شعبان سنة خمس .

                                                                                                                                                                                                                              ووقع في صحيح البخاري نقلا عن ابن عقبة أنها كانت في سنة أربع . قال الحافظ : وكأنه سبق قلم ، أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع . والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم : سنة خمس .

                                                                                                                                                                                                                              ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب : ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس . ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد عن ابن عمر أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحاكم في الإكليل : قول عروة وغيره إنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق . قال الحافظ : ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك ، أي المذكور في الحوادث ، فلو كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست ، مع أن الإفك كان فيها ، لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا ، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة وكانت سنة خمس على الصحيح ، كما سيأتي تقريره ، وإن كانت سنة أربع فهو أسد ، فظهر أن غزوة بني المصطلق كانت سنة خمس في شعبان ، فتكون وقعت قبل الخندق ، لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس ، فتكون بعدها ، فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع . ورمي بعد ذلك بسهم في الخندق ، ومات من جراحته بعد أن حكم في بني قريظة . [ ص: 356 ]

                                                                                                                                                                                                                              ويأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على حديث الإفك في الحوادث ، ويؤيده أيضا أن حديث الإفك كان سنة خمس ، إذ الحديث فيه التصريح بأن ذلك كان بعد نزول الحجاب ، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة ، فتكون المريسيع بعد ذلك ، فيترجح أنه سنة خمس . أما قول الواقدي : إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس ، فمردود . وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد أن الحجاب كان سنة ثلاث ، فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال : أشبههما سنة أربع .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : روى الشيخان عن ابن عون قال : كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال ، فكتب إلي : إنما كان ذلك في أول الإسلام ، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق ، وهم غارون وأنعامهم تسعى على الماء ، فقتل مقاتلتهم ، وسبى ذراريهم ، الحديث . وعنه حدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر ، وكان في ذلك الجيش .

                                                                                                                                                                                                                              غارون ، بتشديد الراء ، أي غافلون .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر جل أهل المغازي أنه حصل بين الفريقين قتال ، وذكر جماعة منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يدعوهم إلى توحيد الله تعالى . قال في الفتح : فيحتمل أن يكونوا حين الإيقاع بهم تثبتوا قليلا ، فلما كثر فيهم القتال انهزموا ، بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافوا ، ووقع القتال بين الطائفتين ، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم .

                                                                                                                                                                                                                              وأشار ابن سعد إلى حديث نافع ثم قال : والأول أثبت ، وأقره في العيون ، والحكم بكون الذي في السير أثبت مما في الصحيح مردود ، لا سيما مع إمكان الجمع .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : جهجاه ، وقيل : اسم أبيه مسعود ، وقيل : سعيد : قال الطبري : المحدثون يزيدون فيه الهاء ، والصواب جهجا ، دون هاء .

                                                                                                                                                                                                                              وسنان اختلف في اسم أبيه أيضا فقيل : وبر بسكون الموحدة ، وقيل : بفتحها- وقيل أبير- بوزن [زبير] ، وقيل : وبرة واحدة الوبر ، وقيل : عمرو ، وقيل : تيم .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس :

                                                                                                                                                                                                                              قوله صلى الله عليه وسلم : «دعوها فإنها منتنة» .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو القاسم الخثعمي : يعني «يا لفلان» ، لأنها من دعوى الجاهلية . وقد جعل الله تعالى المؤمنين إخوة ، وحزبا واحدا ، فإنما ينبغي أن تكون الدعوة : يا للمسلمين ، فمن دعا في الإسلام بدعوى الجاهلية فيتوجه فيها للفقهاء ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها : أن يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا ، اقتداء بأبي موسى الأشعري في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا ، حين سمع : يا لعامر ! فأقبل يشتد بعصبة له . [ ص: 357 ]

                                                                                                                                                                                                                              القول الثاني : إن فيها الجلد دون العشرة ، لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط ، إلا في حد .

                                                                                                                                                                                                                              والقول الثالث : اجتهاد الإمام في ذلك حسب ما يراه من سد الذريعة ، وإغلاق باب الشر بالوعيد ، وإما بالسجن ، وإما بالضرب . فإن قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الرجلين حين دعوا بها ، قلنا : قد قال : دعوها فإنها منتنة ، فقد أكد النهي ، فمن عاد إليها بعد هذا النهي ، وبعد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالإنتان ، وجب أن يؤدب حتى يشم نتنها ، كما فعل أبو موسى بالجعدي ، ولا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة فيها ، والعقوبة عليها .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في استئذان عبد الله بن عبد الله بن أبي في قتل أبيه المنافق ، من أجل المقالة الخبيثة التي قالها .

                                                                                                                                                                                                                              وفي هذا العلم العظيم والبرهان النير من أعلام النبوة ، فإن العرب كانت أشد خلق الله حمية وتعصبا ، فبلغ الإيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده ، تقربا إلى الله تعالى وتزلفا إلى رسوله ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس [نسبا] منهم ، أي الأنصار ، وما تأخر إسلام قومه وبني عمه وسبق إلى الإيمان به الأباعد إلا لحكمة عظيمة ، إذ لو بادر أهله وأقربوه إلى الإيمان به لقيل : قوم أرادوا الفخر برجل منهم ، وتعصبوا له ، فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبه من كان منهم ، أو من غيرهم ، علم أن ذلك عن بصيرة صادقة ، ويقين قد تغلغل في قلوبهم ، ورهبة من الله تعالى أزالت صفة قد كانت [سدكت] في نفوسهم من أخلاق الجاهلية ، لا يستطيع إزالتها إلا الذي فطر الفطرة الأولى ، وهو القادر على ما يشاء .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لجويرية حتى عرف من حسنها ما عرف ، وذلك لأنها كانت أمة مملوكة ، ولو كانت حرة ما ملأ عينه منها ، لأنه لا يكره النظر إلى الإماء . وجائز أيضا أن يكون نظر إليها لأنه نوى نكاحها ، أو أن ذلك قبل أن تنزل آية الحجاب .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : وقع في هذه الغزوة حديث الإفك ، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث في سنة خمس . قيل : وفيها نزلت آية التيمم ، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية