الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر تهيؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرب المشركين ووصولهم إلى المدينة

                                                                                                                                                                                                                              لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل الخندق ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم- فيما قال ابن هشام - ونزل أمام سلع فجعله خلف ظهره ، والخندق أمامه ، وكان عسكره فيما هنالك ، وضربت له قبة من أدم كانت عند المسجد الأعلى الذي بأصل الجبل- جبل الأحزاب- وكان المسلمون فيما قالوا : ثلاثة آلاف ، ووهم من قال : إنهم كانوا سبعمائة .

                                                                                                                                                                                                                              وكان لواء المهاجرين مع زيد بن حارثة ، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة .

                                                                                                                                                                                                                              وجعل النساء والذراري بين الآطام ، وشبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد ، عن المهلب بن أبي صفرة ، قال : حدثني رجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الخندق : إني لأرى القوم الليلة فإن شعاركم : هم لا ينصرون .

                                                                                                                                                                                                                              وكان حسان بن ثابت مع النساء والذراري في الآطام .

                                                                                                                                                                                                                              فروى محمد بن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، وأبو يعلى والبزار بسند حسن ، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه ، والطبراني برجال الصحيح ، عن عروة بن الزبير مرسلا :

                                                                                                                                                                                                                              أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الخندق فجعل نساءه وعمته صفية في أطم يقال لها [ ص: 372 ]

                                                                                                                                                                                                                              فارع ، وجعل معهم حسان بن ثابت
                                                                                                                                                                                                                              . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق ، فأقبل عشرة من يهود ، فجعلوا ينقمعون ويرمون الحصن ، ودنا أحدهم إلى باب الحصن ، وقد حاربت قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر العدو ، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إذ أتانا آت ، فقلت لحسان : يا حسان قم إليه فاقتله ، فقال : يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا ، ولو كان ذلك في لخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت صفية : فلما قال ذلك ، ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت سيفا فربطته على ذراعي ، ثم تقدمت إليه حتى قتلته ، وفي لفظ : فأخذت عمودا ، ثم نزلت من الحصن فضربته بالعمود ضربة شدخت فيها رأسه ، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن ، فقلت : يا حسان ، انزل إليه فاسلبه ، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ، قال :

                                                                                                                                                                                                                              ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب . فقلت له : خذ الرأس وارم به على اليهود ، قال :

                                                                                                                                                                                                                              ما ذاك في ، فأخذت هي الرأس فرمت به على اليهود ، فقالوا : قد علمنا أن محمدا لم يترك له خلوفا ليس معهم أحد ، فتفرقوا . زاد أبو يعلى : فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضرب لصفية بسهم كما يضرب للرجال .

                                                                                                                                                                                                                              ومر سعد بن معاذ على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي في الحصن ، وعليه درع مقلصة قد خرجت منها أذرعه كلها وفي يده حربته يرقد بها وهو يقول :


                                                                                                                                                                                                                              لبث قليلا يشهد الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل

                                                                                                                                                                                                                              فقالت له أمه وكانت مع النساء في الحصن : الحق بني فقد والله أخرت ، فقالت لها عائشة : يا أم سعد ، والله لوددت أن درع سعد كانت أوسع مما هي عليه ، قالت : وخفت عليه حيث أصاب السهم منه فقالت أم سعد : يقضي الله ما هو قاض ، فقضى الله أن أصيب يومئذ .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية