قال محمد بن راشد : (أخبرني إبراهيم بن المهدي : أنه كان مع الأمين بمدينة المنصور ، قال : فطلبني ليلة فأتيت ، فقال : ما ترى طيب هذه الليلة وحسن القمر وضوءه في الماء ، فهل لك في الشراب ؟ فقلت : شأنك ، فشربنا ، ثم دعا بجارية اسمها ضعف ، فتطيرت من اسمها ، فأمرها أن تغني ، فغنت بشعر النابغة الجعدي .
كليب لعمري كان أكثر ناصرا وأيسر ذنبا منك ضرج بالدم
فتطير بذلك ، وقال : غني غير هذا ، فغنت :أبكي فراقهم عني فأرقها إن التفرق للأحباب بكاء
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم حتى تفانوا وريب الدهر عداء
فاليوم أبكيهم جهدي وأندبهم حتى أؤوب وما في مقلتي ماء
أما ورب السكون والحرك إن المنايا كثيرة الشرك
ما اختلف الليل والنهار ولا دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل السلطان عن ملك قد زال سلطانه إلى ملك
وملك ذي العرش دائم أبدا ليس بفان ولا بمشترك
واشتد على المأمون قتل أخيه ، وكان يحب أن يرسل إليه حيا; ليرى فيه رأيه ، فحقد ذلك على طاهر بن الحسين ، وأهمله نسيا منسيا إلى أن مات طريدا بعيدا .
وصدق قول الأمين; فإنه كان كتب بخطه رقعة إلى طاهر بن الحسين لما انتدب لحربه فيها : (يا طاهر; ما قام لنا منذ قمنا قائم بحقنا فكان جزاؤه عندنا إلا السيف ، فانظر لنفسك أو دع ) يلوح بأبي مسلم وأمثاله الذين بذلوا نفوسهم في النصح لهم فكان مآلهم إلى القتل منهم .


