[ ص: 122 ] المسألة التاسعة قوله تعالى : { ولتكبروا الله على ما هداكم } قال علماؤنا : معناه تكبروا إذا رأيتم الهلال ، ولا يزال ، وقد { التكبير مشروعا حتى تصلى صلاة العيد } ، فأما تكبيره إذا رأى الهلال فلم يثبت ، أما إنه روى كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر إذا رأى الهلال ، ويكبر في العيد أبو داود وغيره عن بلاغا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين متعارضين : أحدهما : { قتادة } . الثاني : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال أعرض عنه } . قال أنه كان إذا رآه قال : هلال خير ورشد ، آمنت بالذي خلقك ثلاث مرات ثم يقول : الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا القاضي : ولقد لكته فما وجدت له طعما .
وقد أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا ابن زوج الحرة [ أنبأنا النجي ] ، أنبأنا ابن محبوب ، أنبأنا ابن سورة ، أنبأنا محمد بن بشار ، أنبأنا ، أنبأنا أبو عامر العقدي سليمان بن سفيان المدني ، أنبأنا بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده { طلحة بن عبيد الله } . [ ص: 123 ] قال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال : اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ابن سورة : حسن غريب . قال القاضي : وهو أثبت من المتقدم .
وأما تكبيره عليه السلام في العيد فهي مسألة مشكلة ما وجدت فيها شفاء عند أحد ، ومقدار الذي تحصل بعد البحث أن : حال في وقت البروز إلى صلاة العيد ، وحال الصلاة ، وحال بعد الصلاة . للتكبير ثلاث أحوال
فأما تكبير البروز ، فأخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الأزدي ، أنبأنا أبو الطيب الطبري أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر ، أخبرنا أبو عبد الله الأملي ، حدثنا علي بن محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبيش ، حدثنا موسى بن محمد عن ، حدثنا عطاء الوليد بن محمد ، حدثنا الزهري ، أخبرني أن سالم بن عبد الله أخبره : { عبد الله بن عمر } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى
وذكر عن مثله ، وعن ابن عمر رضي الله عنه { علي أنه كان يكبر حتى يأتي الجبانة } ، يريد حين يبرز .
وروي عن أنهم كانوا في التكبير في الفطر أشد منهم في الأضحى . أبي عبد الرحمن السلمي
وأما تكبيره في صلاة العيد فقد اختلف في ذلك العلماء سلفا وخلفا ، وروينا في ذلك الأحاديث والأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخبارا عن السلف .
فأما الأحاديث ، فروى عن أبيه عن جده ، عمرو بن شعيب عن وابن لهيعة عن أبي الزبير ، جابر ، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن ومحمد بن مسلم بن شهاب عن عروة عن ، عائشة ، وعمار بن ياسر وكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ، وعبد الله بن عامر الأسلمي ، وغيره عن عن نافع ، واللفظ واحد : [ ص: 124 ] { ابن عمر } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر سبعا في الأولى وخمسا في الثانية
وأما أخبار السلف فروي عن رضي الله عنه : يكبر إحدى عشرة تكبيرة ، ستا في الأولى ، وخمسا في الآخرة ، ويكبر في الأضحى خمس تكبيرات ، ثلاثا في الأولى وثنتين في الثانية " . علي
وروى أيوب عن ، عن نافع رضي الله عنه أنه كان يكبر اثنتي عشرة تكبيرة ، سبعا في الأولى ، وخمسا في الثانية ، سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع " . أبي هريرة
وقد روى عن أبيه عن جده : " ثنتي عشرة تكبيرة مثله " وروي عن عمرو بن شعيب رضي الله عنه : ثلاث عشرة تكبيرة ; سبعا في الأولى وستا في الثانية " . ابن عباس
وروي عنه : " إن شئت سبعا ، أو إحدى عشرة ، أو ثلاث عشرة " وروي عن : " يكبر تسعا : خمسا في الأولى ، وأربعا في الثانية " ومثله عن ابن مسعود حذيفة ; وروي عنهما : " يكبر في العيدين أربعا كتكبير الجنائز " . وأبي موسى
وقد أرسل أمير سعيد بن العاص المدينة إلى أربعة من أصحاب الشجرة ، سألهم عن ، فقالوا : ثماني تكبيرات ، فذكره التكبير في العيدين ، فقال : صدق ، ولكنه أغفل تكبيرة فاتحة الصلاة . لابن سيرين
واختلف رأي الفقهاء ; فقال مالك والشافعي والليث وأحمد بن حنبل : سبعا في الأولى ، وخمسا في الثانية . وأبو ثور
إلا أن قال : سبعا في الأولى بتكبيرة الإحرام ، وقال مالكا : سوى تكبيرة الإحرام . الشافعي
[ ص: 125 ] قال أحمد : سوى تكبيرة القيام ، وقال وأبو ثور الثوري : يكبر خمسا في الأولى ، وأربعا في الثانية ، ست فيها زوائد ، وثلاث أصليات بتكبيرة الافتتاح وتكبيرتي الركوع ، لكن يوالي بين القراءتين ، ويقدم التكبير في الأولى قبل القراءة ، ويقدم القراءة في الثانية قبل التكبير . وأبو حنيفة
وروى أصحاب أن أبي حنيفة رضي الله عنه جمع الصحابة فاتفقوا على مذهبهم . عمر
وظن قوم أن هذا كأعداد الوضوء وركعات صلاة الليل ، وهو وهم من قائله ليس في الوضوء أعداد ، وقد بيناها ، ولا في قيام الليل ركعات مقدرة ; وإنما هو اختلاف روايات في صلاة جماعات ، فهي كاختلاف الروايات في صلاة الخوف ; وإنما يترجح فيها عند النظر إليها : أحدها : أن يقال : إن المرء مخير في كل رواية ، فمن فعل منها شيئا تم له المراد منها ; لأن الفرض نفس التكبير لا قدره .
وإما أن يقال : إن رواية أهل المدينة أرجح ; لأجل أنهم بالدين أقعد فإنهم شاهدوها ، فصار نقلهم كالتواتر لها .
ويترجح قول على قول مالك ; لأن الشافعي رأى تكبيرا يتألف من مجموعه وتر ، والله وتر يحب الوتر [ وإليه أميل ] . مالكا
وقد يمكن تلخيص بعض هذه الروايات بأن يقال : إنه يحتمل أن يكون الراوي عد الأصول والزوائد مرة وأخبر عنها ، فيأتي من مجموعها ثلاث عشرة ، أو يقتصر على الزوائد في الذكر ويحذف الأصليات الثلاث فيظهر هاهنا التباين أكثر ، ولكن يفضل الكل ما قدمنا من الرجوع إلى أعمال أهل المدينة ، والله أعلم .
وأما تكبيره من بعد الصلاة ، فروى عن أبو الطفيل ، علي : { وعمار عرفة إلى صلاة العصر آخر [ ص: 126 ] أيام التشريق يوم دفعة الناس العظمى } . أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في دبر الصلوات المكتوبة من صلاة الفجر غداة
ومن حديث أبي جعفر ، عن : { جابر عرفة ، وأقبل على أصحابه يقول : على مكانكم ، ويقول : الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد } . أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح من غداة
وروي عن ، عن نافع : " أنهم كانوا يكبرون في صلاة الظهر ، ولا يكبرون في صلاة الصبح " كذلك فعل ابن عمر رضي الله عنه وهو محصور . عثمان
وروى ربيعة بن عثمان عن ، عن سعيد بن أبي هند : سمعته يكبر في الصلوات أيام التشريق : الله أكبر ثلاثا . جابر بن عبد الله
واختار رواية الشافعي أبي جعفر [ عن ] ، أن يجمع بين التهليل والتكبير والتحميد ، وذكرها جابر من أصحابنا . ابن الجلاب
واختار علماؤنا التكبير المطلق ، وهو ظاهر القرآن ، وإليه أميل . والله أعلم .
وكانت الحكمة في ذلك على ما ذكره علماؤنا رحمة الله عليهم الإقبال على التكبير والتهليل ، وذكر الله تعالى عند انقضاء المناسك شكرا على ما أولى من الهداية وأنقذ به من الغواية ، وبدلا عما كانت الجاهلية تفعله من التفاخر بالآباء ، والتظاهر بالأحساب ، وتعديد المناقب ، على ما يأتي تبيانه في موضعه إن شاء الله تعالى .