[ ص: 48 ] الآية الثامنة قوله تعالى : { وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين قال هي راودتني عن نفسي } .
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى : قال علماؤنا : ليست هذه الشهادة من شهادات الأحكام التي تفيد الإعلام عند الحكام ، ويتفرد بعلمها الشاهد فيطلع عليها الحاكم ، وإنما هي بمعنى أخبر عن علم ما كان عنه القوم غافلين ; وذلك أن القميص جرت العادة فيه أنه إذا جذب من خلفه تمزق من تلك الجهة ، وإذا جذب من قدام تمزق من تلك الجهة ، ولا يجذب القميص من خلف اللابس إلا إذا كان مدبرا ، وهذا في الأغلب ، وإلا فقد يتمزق [ القميص بالقلب من ذلك ] إذا كان الموضع ضعيفا .
المسألة الثانية :
يتكلم الناس في هذا الشاهد من أربعة أوجه : الأول : الشاهد هو القميص .
الثاني : أنه كان ابن عمها .
الثالث : أنه كان من أصحاب العزيز .
الرابع : أنه كان صبيا في المهد .
فأما إذا قلنا إنه القميص فكان يصح من جهة اللغة أن يخبر عن حاله بتقدير مقاله ; فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال في بعض الأمور ، وقد تضيف العرب الكلام إلى الجمادات بما تخبر عنه بما عليها من الصفات ، ومن أجلاه قول بعضهم : قال [ ص: 49 ] الحائط للوتد : لم تشقني . قال : سل من يدقني ، ما تركني ورأيي هذا الذي ورائي ، ولكن قوله بعد ذلك : { من أهلها } في صفة الشاهد يبطل أن يكون القميص .
وأما من قال : إنه ابن عمها أو رجل آخر من أصحاب العزيز ، فإنه محتمل ; لكن قوله : { من أهلها } يعطي اختصاصا من جهة القرابة .
وأما من قال : إنه كان صغيرا فهو الذي يروى عن وأنه قد تكلم في المهد أربعة : " ابن عباس عيسى ابن مريم ، وابن ماشطة فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، " ونقصهم اثنان : أحدهما : وهو الذي { } وهذا حديث صحيح خرجه ذكر النبي في قصة أصحاب الأخدود أنهم لما حفرت لهم الأرض ، ورمي فيها بالحطب وأوقدت النار عليها ، وعرض عليهم أن يقعوا فيها أو يكفروا الحديث بطوله . فوقفت امرأة منهم ، وكان في ذراعها صبي فقال لها : يا أمه ، إنك على الحق . . مسلم
والثاني : ما روي أن امرأة كانت ترضع صبيا في حجرها ، فمر بها رجل له شارة وحوله حفدة ، فقالت : اللهم اجعل ابني مثل هذا ، فترك الصبي الثدي ، وقال : اللهم لا تجعلني مثله ، ومر بامرأة وهم يضربونها ويقولون : سرقت ولم تسرق وزنيت ولم تزن . فقالت : اللهم لا تجعل ابني مثلها ، فترك الصبي الثدي ، وقال : اللهم اجعلني مثلها .
وأوحى إلى نبي ذلك الزمان أن الأول لا خير فيه ، وأن هذه يقولون فعلت وهي لم تفعل . هذا معنى الحديث .
فالذي صح فيمن تكلم في المهد أربعة : صاحب الأخدود ، وصاحب جريج [ ص: 50 ] وعيسى ابن مريم ، وهذا الصبي الذي تكلم في حجر المرأة بالرد على أمه فيما اختارته وكرهه .
المسألة الثالثة :
قال بعض [ العلماء ] المفسرين : لو كان هذا المشاهد طفلا لكان في كلامه في المهد وشهادته آية ليوسف ، ولم يحتج إلى ثوب ولا إلى غيره . وهذا ضعيف فإنه يحتمل أن يكون الصبي يتكلم في المهد منبها لهم على هذا الدليل الذي كانوا عنه غافلين ، وكانت آية ، كما قال : تبينت بها براءة يوسف من الوجهين : من جهة نطق الصبي ، ومن جهة ذكر الدليل .