الآية العاشرة : قوله تعالى : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ولا تقف ما ليس لك به علم } . [ ص: 200 ] فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى : قوله : " لا تقف " : تقول العرب : قفوته أقفوه ، وقفته أقوفه ، وقفيته : إذا اتبعت أثره ، وقافية كل شيء آخره ; ومنه اسم النبي صلى الله عليه وسلم المقفى ; لأنه جاء آخر الأنبياء وأخيرهم . ومنه القائف ، وهو الذي يتبع أثر الشبه ، يقال قاف القائف يقوف ، إذا فعل ذلك ، وكذلك قرأه بعضهم : ولا تقف ، مثل تقل .
المسألة الثانية : في تفسير هذه اللفظة : للناس فيها خمسة أقوال :
الأول : لا تسمع ولا تر ما لا يحل سماعه ولا رؤيته . الثاني : قال : لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك . الثالث : قال ابن عباس : لا تقل رأيت ما لم أر ، ولا سمعت ما لم أسمع . الرابع : قال قتادة : هو شهادة الزور . الخامس : قيل عن محمد بن الحنفية : معناه لا تقف لا تقل . ابن عباس
المسألة الثالثة : هذه الأقوال كلها صحيحة ; وبعضها أقوى من بعض ، وإن كانت مرتبطة ; لأن الإنسان لا يحل له أن يسمع ما لا يحل ، ولا يقول باطلا ، فكيف أعظمه وهو الزور .
ويرجع الخامس إلى الثالث ; لأنه تفسير له ، وإذا لم يحل له أن يقول ذلك فلا يحل له أن يتبعه ; ولذلك قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إن أنه مذموم داخل في الآية ; لأنه يقيس ويجتهد في غير محل الاجتهاد ، وإنما الاجتهاد في قول الله وقول الرسول ، لا في قول بشر بعدهما . المفتي بالتقليد إذا خالف نص الرواية في نص النازلة عمن قلده
[ ص: 201 ] ومن قال من المقلدين هذه المسألة تخرج من قول في موضع كذا فهو داخل في الآية . فإن قيل : فأنت تقولها وكثير من العلماء قبلك . قلنا : نعم ; نحن نقول ذلك في تفريع مذهب مالك على أحد القولين في التزام المذهب بالتخريج ، لا على أنها فتوى نازلة تعمل عليها المسائل ، حتى إذا جاء سائل عرضت المسألة على الدليل الأصلي ; لا على التخريج المذهبي ، وحينئذ يقال له الجواب كذا فاعمل عليه . مالك
ومنها قول الناس : هل الحوض قبل الميزان والصراط أو الميزان قبلهما أم الحوض ؟ فهذا قفو ما لا سبيل إلى علمه ; لأن هذا أمر لا يدرك بنظر العقل ، ولا بنظر السمع ، وليس فيه خبر صحيح ، فلا سبيل إلى معرفته . ومثله : كيف كفة من خفت موازينه من المؤمنين ؟ كيف يعطى كتابه ؟ .