[ ص: 257 ] الآية الثالثة قوله تعالى : وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى } . فيها خمس مسائل : {
المسألة الأولى : قوله تعالى : { وما تلك بيمينك } قال علماؤنا : إنما سأله عنها لما كان أضمر من الآية له فيها ، حتى إذا رجع عليها ، وتحقق حالها ، وكسيت تلك الحلة الثعبانية بمرأى منه لابتدائها كان تبديلها مع الذكر أوقع في القلب وأيسر له من أن يغفل عنها ، فيراها بحلة الثعبانية مكسوة ، فيظن أنما عين أخرى سواها .
المسألة الثانية : { قال هي عصاي } قال أرباب القلوب : الجواب المطلق أن يقول هي عصا ، ولا يضيف إلى نفسه شيئا ، فلما أراد أن يكونا اثنين أفرد عنها بصفة الحية ، فبقي وحده لله ، كما يحب ، حتى لا يكون معه إلا الله ، يقول الله : أنت عبدي ، ويقول موسى : أنت ربي .
المسألة الثالثة : أجاب موسى بأكثر من المعنى الذي وقع السؤال عنه فإنه ذكر في الجواب أربعة معان ، وكان يكفي واحد قال : الإضافة ، والتوكؤ ، والهش ، والمآرب المطلقة ، وكان ذلك دليلا على جواب السؤال بأكثر من مقتضى ظاهره . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { } لمن سأله عن طهور ماء البحر . هو الطهور ماؤه الحل ميتته
المسألة الرابعة : الهش : هو أن يضع المحجن في أصل الغصن ويحركه فيسقط منه ما سقط ، ويثبت ما [ ص: 258 ] ثبت قاله ابن القاسم عن ، وروي عنه أيضا أنه قال : { مالك مر النبي صلى الله عليه وسلم براع يعضد شجرة فنهاه عن ذلك ، وقال : هشوا وارعوا } ، وهذا من باب الاقتصاد في الاقتيات ، فإنه إذا عضد الشجرة اليوم لم يجد فيها غدا شيئا ولا غيره ممن يخلفه ، فإذا هش ورعى أخذ وأبقى ، والناس كلهم فيه شركاء ، فليأخذ وليدع ، إلا أن يكون الشيء كثيرا فليأخذه كيف شاء .
المسألة الخامسة . تعرض قوم لتعديد منافع العصا ، كأنهم يفسرون بذلك قول موسى { ولي فيها مآرب أخرى } ، وهذا مما لا يحتاج إليه في العلم ، وإنما ينبغي أن يصرف العصا في حاجة عرضت ; أما إنه ، وفي موضع آخر باختلاف وهو التوكؤ عليها في صلاة النافلة . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ، رواه يحتاج إليها في الدين في موضع واحد إجماعا وهو الخطبة أبو داود وغيره ، وقد قدمنا ذكره في كل موضع هنا وسواه .