الآية الخامسة قوله تعالى : { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } . وقد تقدم ما في مثلها من أحكام ; بيد أنه كنا في الإملاء الأول قد وعدنا في قولهم : إنه أكلها ناسيا ببيانه في هذا الموضع ، فها نحن بقوة الله ننتقض من عهدة الوعد ، فنقول : كما قال في مما ينسب الجهلة إليهم من وقوعهم في الذنوب عمدا منهم إليها ، واقتحاما لها مع العلم بها ، وحاش لله ، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك ، فكيف بالنبيين ، ولكن البارئ سبحانه وتعالى بحكمه النافذ ، وقضائه السابق ، أسلم تنزيه الأنبياء عن الذي لا يليق بمنزلتهم آدم إلى المخالفة ، فوقع فيها متعمدا ناسيا ، فقيل في تعمده : { وعصى آدم ربه } .
وقيل في بيان عذره : { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } . ونظيره من التمثيلات ، أو مخطئا في تأويله ، فهو عامد ناس ، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ، وجاز للمولى أن يقول في عبده : عصى تحقيرا وتعذيبا ، ويعود عليه بفضله فيقول : نسي تنزيها ، ولا يجوز لأحد منا أن يخبر بذلك عن أن يحلف الرجل لا يدخل دارا أبدا ، فيدخلها متعمدا ناسيا ليمينه آدم ، إلا إذا ذكرناه في أثناء قول الله عنه ، أو قول نبيه . وأما أن نبتدئ في ذلك من قبل أنفسنا فليس بجائز لنا في آبائنا الأدنين إلينا ، المماثلين لنا ، فكيف بأبينا الأقدم الأعظم ، النبي المقدم ، الذي عذره الله ، وتاب عليه ، وغفر له .
[ ص: 260 ] ووجه الخطأ في قصة آدم غير متعين ، ولكن وجوه الاحتمالات تتصرف ، والمدرك منها عندنا أن يذهل عن أكل الشجرة ، كما ضربنا المثل في دخول الدار .
الثاني : أن يذهل عن جنس منهي منه ، ويعتقده في عينه ; إذ قال الله له هذه الشجرة ، كما تقدم في سورة البقرة .
الثالث : أن يعتقد أن النهي ليس على معنى الجزم الشرعي لمعنى مغيب .
فإن قيل : فقد قال : { فتكونا من الظالمين } . قلنا : قد قيل معناه من الظالمين لأنفسكما ، كما قال : { فمنهم ظالم لنفسه } . والصحيح هو المعنى الأول ، وهو الذي نسي من تحذير الله له ، أو تأويله في تنزيله ، وربك أعلم كيف دار الحديث . والتعيين يفتقر إلى تأويله ، وكذلك قلنا إن الناسي في الحنث معذور ، ولا يتعلق به حكم . والله أعلم .