المقام الخامس :
أن صلى الله عليه وسلم قبله منه ; فالتبس عليه الشيطان بالملك ، واختلط عليه التوحيد بالكفر ، حتى لم يفرق بينهما . قول الشيطان تلك الغرانقة العلا ، وإن شفاعتها ترتجى للنبي
وأنا من أدنى المؤمنين منزلة ، وأقلهم معرفة بما وفقني الله له ، وآتاني من علمه ، لا يخفى علي وعليكم أن هذا كفر لا يجوز وروده من عند الله . ولو قاله أحد لكم لتبادر الكل إليه قبل التفكير بالإنكار والردع ، والتثريب والتشنيع ، فضلا عن أن يجهل النبي صلى الله عليه وسلم حال القول ، ويخفى عليه قوله ، ولا يتفطن لصفة الأصنام بأنها الغرانقة العلا ، وأن شفاعتها ترتجى .
وقد علم علما ضروريا أنها جمادات لا تسمع ولا تبصر ، ولا تنطق ولا تضر ، ولا تنفع ولا تنصر ولا تشفع ، بهذا كان يأتيه جبريل الصباح والمساء ، وعليه انبنى التوحيد ، ولا يجوز نسخه من جهة المعقول ولا من جهة المنقول ، فكيف يخفى هذا على الرسول ؟ ثم لم يكف هذا حتى قالوا : إن جبريل لما عاد إليه بعد ذلك ليعارضه فيما ألقى إليه الوحي كررها عليه جاهلا بها تعالى الله عن ذلك فحينئذ أنكرها عليه جبريل ، وقال له : ما جئتك بهذه . فحزن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ، وأنزل عليه : وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا [ ص: 306 ] غيره } ، فيا لله والمتعلمين والعالمين من شيخ فاسد وسوس هامد ، لا يعلم أن هذه الآية نافية لما زعموا ، مبطلة لما رووا وتقولوا ، وهو : {
المقام السادس : وذلك أن قول العربي : كاد يكون كذا : معناه قارب ولم يكن ; فأخبر الله في هذه الآية أنهم قاربوا أن يفتنوه عن الذي أوحي إليه ، ولم تكن فتنة ، ثم قال : لتفتري علينا غيره . وهو :
المقام السابع : ولم يفتر ، ولو فتنوك وافتريت لاتخذوك خليلا ، فلم تفتتن ولا افتريت ، ولا عدوك خليلا . ولولا أن ثبتناك وهو :