الآية الخامسة :
قوله تعالى : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين } .
فيها أربع عشرة مسألة : المسألة الأولى : في : سبب نزولها
وذلك أن الله تعالى لما أنزل قوله : { والذين يرمون المحصنات } الآية كان ذلك عاما في الزوجات وغيرهن ، فلما علم الله من ضرورة الخلق في التكلم بحال الزوجات جعل لهم مخلصا من ذلك باللعان ، على ما روى أنه قال : { ابن عباس والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } . قال : أهكذا نزلت يا رسول الله ؟ لو أتيت لكاع وقد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه [ ص: 350 ] وأخرجه حتى آتي بأربعة شهداء ، فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر سعد بن عبادة الأنصار ; أما تسمعون ما يقول سيدكم ؟ قالوا : لا تلمه ، فإنه رجل غيور ، ما تزوج فينا قط إلا عذراء ، ولا طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها . قال : يا رسول الله ; بأبي وأمي ، والله لأعرف أنها من الله ، وأنها الحق . فوالله ما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء سعد هلال بن أمية من حديقة له ، فرأى بعينه وسمع بأذنيه ، فأمسك حتى أصبح ، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ; إني جئت أهلي عشاء ، فرأيت رجلا مع أهلي ، رأيت بعيني وسمعت بأذني . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه ، وثقل عليه جدا ، حتى عرفت الكراهية في وجهه ، فقال هلال : يا رسول الله ; إني أرى الكراهية في وجهك مما أتيتك به ، والله يعلم إني لصادق ; وإني لأرجو أن يجعل الله فرجا . فقالوا : ابتلينا بما قال ، أيجلد سعد هلال ، وتبطل شهادته في المسلمين ؟ فهم رسول الله بضربه ، وإنه لكذلك يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي : { والذين يرمون أزواجهم } الآيات . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشر يا هلال ، إن الله جعل لك فرجا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلوا إليهما فلما اجتمعا قيل لها فكذبت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله يعلم أن أحدكما لكاذب ، فهل فيكما تائب فقال هلال : لقد صدقت ، وما قلت إلا حقا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعنوا بينهما . قيل لهلال : اشهد ، فشهد أربع شهادات إنه لمن الصادقين ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . فقيل له عند الخامسة : يا هلال ; اتق الله ، فإن عذاب الله أشد من عذاب الناس [ ص: 351 ] وإنها الموجبة التي توجب عليك العقوبة . فقال هلال : والله ما يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم قيل لها : تشهدي ، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين . ثم قيل لها عند الخامسة : اتقي الله فإن عذاب الله أشد من عذاب الناس ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب ، فتلكأت ساعة ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي ، فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين . ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن الولد لها ، ولا يدعى لأبيه ، ولا يرمى ولدها . } لما نزلت هذه الآية : {
وفي رواية : { لهلال : إن قذفت امرأتك جلدت ثمانين . قال : الله أعدل من ذلك } قيل
وقد علم أني قد رأيت حتى استيقنت ، وسمعت حتى استثبت ، فنزلت آية الملاعنة .
وفي رواية : { بمصر ، لا يعرف نسبه ، وقيل : لا يدرى من أبوه . } إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها ، وإن جاءت به كذا وكذا فهو للذي قيل ; فجاءت به كأنه جمل أورق ، فكان بعد أميرا
وفي رواية : { عويمرا إلا صدق ، وإن جاءت به أحمر كأنه وحرة لا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها ، فجاءت به على النعت الذي يصدق عويمرا . } إن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين فلا أحسب
وفي رواية عن سهل { الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا ، أيقتله فتقتلونه ، أم كيف يفعل ؟ فأنزل الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قضى الله فيك وفي امرأتك ، فتلاعنا ثم فارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المتلاعنين } ، فكانت السنة بعدها أن أن رجلا من ، وكانت [ ص: 352 ] حاملا فأنكره ، فكان ابنها يدعى إلى أمه . ثم جرت السنة أن ابنها يرثها وترث ما فرض الله لها . يفرق بين المتلاعنين