المسألة الرابعة : قوله : { والصالحين من عبادكم وإمائكم }
وفيها قولان :
أحدهما : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم . وتقريرها : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم بعضهم ببعض . وأنكحوا إماءكم
الثاني : وهو الأظهر أنه أمر بإنكاح العبيد والإماء ، كما أمر بإنكاح الأيامى ، وذلك بيد السادة في العبيد والإماء ، كما هو في الأحرار بيد الأولياء ، إلا من ملك نفسه ، وائتمر أمره ، وأبصر رشده .
أما أن أصحاب تعلقوا بأن العبد مكلف فلم يجبر على النكاح ; لأن التكليف يدل على أن العبد كامل من جهة الآدمية ، وإنما يتعلق به المملوكية فيما كان حظا للسيد من ملك الرقبة والمنفعة ، فله حق المملوكية في بضع الأمة ليستوفيه ويملكه . فأما بضع العبد فلا حق له فيه ، ولأجل ذلك لا تباح السيدة لعبدها ; هذه عمدة أهل الشافعي خراسان والعراق . ولعلمائنا النكتة العظمى في أن مالكية العبد استغرقتها مالكية السيد ; ولذلك لا يتزوج إلا بإذنه إجماعا . [ ص: 393 ] والنكاح وبابه إنما هو من المصالح ، ومصلحة العبد موكولة إلى السيد ، هو يراها ويقيمها للعبد ، ولذلك زوج الأمة بملكه لرقبتها ، لا باستيفائه لبضعها .
والدليل على صحة ما نقوله من ذلك أنه لا يملك بضع امرأته وإن كان يملكها ، ويملك بضع أخته من الرضاع أمة ، وإن كان لا يستوفيه . والمالكية في رقبة العبد كالمالكية في رقبة الأمة .
والمصلحة في كل واحد منهما بيد السيد استيفاؤها وإقامتها والنظر إليها ، ومنها ومن عدهم الطلاق فإنه يملكه العبد بملك عقده . وهذا لا يلزم ; لأن للسيد نظرا في المصلحة ، فإن أسقطها العبد فقد أسقط خالص حقه الذي له ، وقد نرى الثيب لا تملك الطلاق ، ولا يملك عليها النكاح ، ويملك النكاح على السفيه المولى عليه ، ولا يملك عليه الطلاق ، ويملك عليه البيع والشراء ، ولا يملك هو الإقالة ولا الفسخ ، ولا العتق ; فدل على أن مطلق كل واحد من العينين غير مطلع الآخر ، فافترقا .
فإن قيل : لو أراد المملوكين لقال من عبيدكم .
قلنا عنه جوابان : أحدهما : أنه قال بعده : ( وإمائكم ) ، ولو أراد الناس لما جاء بالهمزة . كما تقدم ، ولذلك قرأها الحسن من عبيدكم ، وليبين الإشكال ويرفع اللبس .
الثاني : أن هذا اللفظ لو قدرناه كما زعموا لكان عاما ، وكنا نحكم بعمومه فيمن كان حرا أو عبدا ، كما حكمنا بعمومه فيمن كانت أمة لله أو لأحد من خلقه بتمليكه إياها له .