كقول حسان في : أبي سفيان
وإن سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم ووالدك العبد وما ولدت أفناء زهرة منكم
كريما ولا يقرب عجائزك المجد ولست كعباس ولا كابن أمه
ولكن هجين ليس يورى له زند وإن امرأ كانت سمية أمه
وسمراء مغلوب إذا بلغ الجهد وأنت امرؤ قد نيط في آل هاشم
كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
نحن ضربناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله
روي أن النعمان بن علي بن نضلة كان عاملا ، فقال : لعمر بن الخطاب
ألا هل أتى الحسناء أن خليلها بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم
المسألة السابعة : وقد كشف الخليفة العدل حقيقة أحوال الشعراء ، وكشف سرائرهم ، وانتحى معايبهم في أشعارهم ، فروي أنه لما استخلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله وفدت إليه الشعراء ، كما كانت تفد إلى الخلفاء قبله ، فأقاموا ببابه أياما لا يأذن لهم بالدخول ، حتى قدم عمر بن عبد العزيز على عدي بن أرطاة ، وكانت له مكانة فتعرض له عمر بن عبد العزيز جرير ، فقال :
يأيها الرجل المزجي مطيته هذا زمانك إني قد خلا زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه أني لدى الباب كالمصفود في قرن
وحش المكانة من أهلي ومن ولدي نائي المحلة عن داري وعن وطني
رأيتك يا خير البرية كلها نشرت كتابا جاء بالحق معلما
سننت لنا فيه الهدى بعد جورنا عن الحق لما أصبح الحق مظلما
فمن مبلغ عني النبي محمدا وكل امرئ يجزى بما قد تكلما
تعالى علوا فوق عرش إلهنا وكان مكان الله أعلى وأعظما
ألا ليت أني يوم بانوا بميتتي شممت الذي ما بين عينيك والفم
وليت طهوري كان ريقك كله وليت حنوطي من مشاشك والدم
ويا ليت سلمى في القبور ضجيعتي هنالك أو في جنة أو جهنم
ألا ليتنا نحيا جميعا وإن نمت يوافي لدى الموتى ضريحي ضريحها
فما أنا في طول الحياة براغب إذا قيل قد سوي عليها صفيحها
أظل نهاري لا أراها ويلتقي مع الليل روحي في المنام وروحها
رهبان مدين والذين عهدتهم يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها خروا لعزة ركعا وسجودا
الله بيني وبين سيدها يفر مني بها وأتبع
هما دلياني من ثمانين قامة كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا أحي يرجى أم قتيل نحاذره
فقلت ارفعوا الأمراس لا يشعروا بنا ووليت في أعقاب ليل أبادره
فلست بصائم رمضان عمري ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عيسا ركوبا إلى بطحاء مكة للنجاح
ولست بقائم كالعير يدعو قبيل الصبح حي على الفلاح
ولكني سأشربها شمولا وأسجد عند منبلج الصباح
لولا مراقبة العيون أريتنا مقل المها وسوالف الآرام
ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا حين الزيارة فارجعي بسلام
إن الذي بعث النبي محمدا جعل الخلافة للإمام العادل
وسع البرية عدله ووفاؤه حتى ارعوى وأقام ميل المائل
إني لأرجو منك خيرا عاجلا والنفس مولعة بحب العاجل
كم باليمامة من شعثاء أرملة ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
ممن يعدك تكفي فقد والده كالفرخ في العش لم يدرج ولم يطر
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا من الخليفة ما نرجو من المطر
أتى الخلافة إذ كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر
النطروني الأرامل قد قضيت حاجتها فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
رأيت رقى الشيطان لا تستفزه وقد كان شيطاني من الجن راقيا
حكيت لنا الفاروق لما وليتنا وعثمان والصديق فارتاح معدم
وسويت بين الناس في الحق فاستووا فعاد صباحا حالك اللون مظلم
أتاك أبو ليلى يجوب به الدجى دجى الليل جواب الفلاة عثمثم
لتجبر منا جانبا دعدعت به صروف الليالي والزمان المصمم
المسألة الثامنة : في تحقيق القول فيه : أما الاستعارات والتشبيهات فمأذون فيها وإن استغرقت الحد ، وتجاوزت المعتاد ، فبذلك يضرب الملك الموكل بالرؤيا المثل ، وقد أنشد كعب بن زهير النبي صلى الله عليه وسلم :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالراح معلول
وبالجملة ، فلا ينبغي أن يكون الغالب على العبد الشعر حتى يستغرق قوله وزمانه ، فذلك مذموم شرعا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : { } . والله أعلم لا رب غيره ولا معبود إلا إياه . لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا