المسألة الثالثة : روي في الصحيح { لما مات ولى قومه بنته : لن يفلح كسرى قوم ولوا أمرهم امرأة } . عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن
وهذا نص في أن ، ولا خلاف فيه . المرأة لا تكون خليفة
ونقل عن أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية ; ولم يصح ذلك عنه ; ولعله كما نقل عن محمد بن جرير الطبري إمام الدين أنها [ إنما ] تقضي فيما تشهد فيه ، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق ، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة على الحكم ، إلا في الدماء والنكاح ، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : { أبي حنيفة } . وهذا هو الظن لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة بأبي حنيفة . وقد روي أن وابن جرير قدم امرأة على حسبة السوق ، ولم يصح ; فلا تلتفتوا إليه ; فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث عمر
. [ ص: 483 ] وقد تناظر في هذه المسألة مع القاضي أبو بكر بن الطيب المالكي الأشعري أبي الفرج بن طرار شيخ الشافعية ببغداد في مجلس السلطان الأعظم عضد الدولة ، فماحل ونصر ابن طرار لما ينسب إلى ، على عادة القوم التجادل على المذاهب ، وإن لم يقولوا بها استخراجا للأدلة وتمرنا في الاستنباط للمعاني ; فقال ابن جرير أبو الفرج بن طرار : الدليل على أن المرأة يجوز أن تحكم أن الغرض من الأحكام تنفيذ القاضي لها ، وسماع البينة عليها ، والفصل بين الخصوم فيها ، وذلك يمكن من المرأة ، كإمكانه من الرجل .
فاعترض عليه القاضي أبو بكر ، ونقض كلامه بالإمامة الكبرى ; فإن الغرض منها حفظ الثغور ، وتدبير الأمور ، وحماية البيضة ، وقبض الخراج ، ورده على مستحقيه ، وذلك يتأتى من المرأة كتأتيه من الرجل .
فقال له أبو الفرج بن طرار : هذا هو الأصل في الشرع ، إلا أن يقوم دليل على منعه .
فقال له القاضي أبو بكر : لا نسلم أنه أصل الشرع .
قال القاضي عبد الوهاب : هذا تعليل للنقض ، يريد : والنقض لا يعلل . وقد بينا فساد قول القاضي عبد الوهاب في أصول الفقه .
قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله : ليس كلام الشيخين في هذه المسألة بشيء ، فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس ، ولا تخالط الرجال ، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير ، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها ، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم ، وتكون منظرة لهم ، ولم يفلح قط من تصور هذا ، ولا من اعتقده .