الآية الرابعة قوله تعالى : { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب } .
فيها وفي الآية التي تليها أربع عشرة مسألة : المسألة الأولى كنى بالنعجة عن المرأة ، لما هي عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب . وقد يكنى عنها بالبقرة والحجر والناقة ; لأن الكل مركوب .
أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الجبار الهذلي عن قال : إنه يكنى عن المرأة بألف مثل في المقام يعبر به الملك عن المعنى الذي يريده ، وقد قيدناها كلها عنه في سفر واحد . أبي الحسن علي بن أبي طالب
المسألة الثانية { تسع وتسعون نعجة } إن كان جميعهن أحرارا فذلك شرعه ، وإن كن إماء فذلك شرعنا .
والظاهر أن شرع من قبلنا لم يكن محصورا بعدد ، وإنما الحصر في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لضعف الأبدان وقلة الأعمار .
وهم وتنبيه وهي : المسألة الثالثة قال بعض المفسرين : لم يكن لداود مائة امرأة ، وإنما ذكر التسعة والتسعين [ ص: 41 ] مثلا . المعنى هذا غني عن الزوجة وأنا مفتقر إليها ، وهذا فاسد من وجهين : أحدهما أن العدول عن الظاهر بغير دليل لا معنى له ، ولا دليل يدل على أن شرع من قبلنا كان مقصورا من النساء على ما في شرعنا .
الثاني : أنه روى وغيره أن البخاري سليمان قال : لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله . ونسي أن يقول إن شاء الله وهذا نص قدمنا تحقيقه قبل .
المسألة الرابعة قوله تعالى : { أكفلنيها } : فيه ثلاثة أقوال : الأول : من كفلها أي ضمها أي اجعلها تحت كفالتي . الثاني : أعطنيها . ويرجع إلى الأول ; لأنه أعم منه معنى . الثالث : تحول لي عنها ; قاله . ويرجع إلى العطاء والكفالة إلا أنه أعم من الكفالة وأخص من العطاء . ابن عباس
المسألة الخامسة قوله تعالى : { وعزني في الخطاب } . يعني غلبني ، من قولهم : من عز بز .
واختلف في سبب الغلبة ; فقيل معناه : غلبني ببيانه . وقيل : غلبني بسلطانه ; لأنه لما سأله لم يستطع خلافه .
كان ببلدنا أمير يقال له سير بن أبي بكر ، فكلمته في أن يسأل لي رجلا حاجة ، فقال لي : أما علمت أن طلب السلطان الحاجة غصب لها . فقلت : أما إذا كان عدلا فلا .
فعجبت من عجمته وحفظه لما تمثل به ، وفطنته ، كما عجب من جوابي له واستغربه .