[ ص: 74 ] سورة الشورى فيها ثمان آيات
الآية الأولى قوله تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب } .
ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الشفاعة المشهور [ الكبير ] : { نوحا ، فإنه . فيأتون أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض نوحا فيقولون : أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض } . وهذا صحيح لا إشكال فيه ، كما أن ولكن ائتوا آدم أول نبي بغير إشكال ; لأن آدم لم يكن معه إلا بنوه ، ولم تفرض له الفرائض ، ولا شرعت له المحارم ; وإنما كان تنبيها على بعض الأمور ، واقتصارا على ضرورات المعاش ، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء ، واستقر المدى إلى نوح ، فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات والأخوات ووظف عليه الواجبات ، وأوضح له الآداب في الديانات ، ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل ، ويتناصر بالأنبياء صلوات الله عليهم واحدا بعد واحد ، شريعة بعد شريعة ، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا ، على لسان أكرم الرسل نبينا صلى الله عليه وسلم وكأن المعنى : ووصيناك يا محمد ونوحا دينا واحدا يعني في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة ، وهي : التوحيد ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والتقرب إلى الله تعالى بصالح الأعمال ، والتزلف إليه بما يرد القلب والجارحة إليه ، والصدق ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وتحريم الكفر ، والقتل ، والزنا ، والإذاية للخلق ، كيفما تصرفت ، والاعتداء على [ ص: 75 ] الحيوان كيفما كان ، واقتحام الدناءات ، وما يعود بخرم المروءات .
فهذا كله شرع دينا واحدا وملة متحدة لم يختلف على ألسنة الأنبياء ، وإن اختلفت أعدادهم ، وذلك قوله تعالى : { أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } أي اجعلوه قائما ، يريد دائما مستمرا ، محفوظا مستقرا ، من غير خلاف فيه ، ولا اضطراب عليه . فمن الخلق من وفى بذلك ، ومنهم من نكث به ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه .
واختلفت الشرائع وراء هذا في معان حسبما أراده الله ، مما اقتضته المصلحة ، وأوجبت الحكمة وضعه في الأزمنة على الأمم . والله أعلم .