المسألة الثانية : قوله تعالى : { فاستبقوا الخيرات }
معناه ، افعلوا الخيرات ، من السبق ، وهو المبادرة إلى الأولية ، وذلك حث على المبادرة والاستعجال إلى الطاعات ، ولا خلاف فيه بين الأمة في الجملة .
وفي التفضيل اختلاف ; وأعظم مهم اختلفوا في تفضيله الصلاة ; فقال الشافعي : أول الوقت فيها أفضل من غير تفصيل ; لظاهر هذه وغيرها ، كقوله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم }
وقال أبو حنيفة : آخر الوقت أفضل ; لأنه عنده وقت الوجوب حسبما مهدناه في مسائل الخلاف .
وأما مالك ففصل القول ; فأما الصبح والمغرب فأول الوقت فيهما أفضل عنده من غير خلاف .
وأما الظهر والعصر فلم يختلف قوله : إن أول الوقت أفضل للفذ ، وإن الجماعة تؤخر " على ما في حديث عمر رضي الله عنه .
والمشهور في العشاء أن تأخيرها أفضل لمن قدر عليه ، ففي صحيح الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرها ليلة حتى رقد الناس [ ص: 67 ] واستيقظوا ، ثم قال : لولا أن أشق على أمتي لأخرتها هكذا . }
وأما الظهر فإنها تأتي الناس على غفلة فيستحب تأخيرها قليلا حتى يتأهبوا ويجتمعوا .
وأما العصر فتقديمها أفضل .
ولا خلاف في مذهبنا أن تأخير الصلاة لأجل الجماعة أفضل من تقديمها ; فإن فضل الجماعة مقدر معلوم ، وفضل أول الوقت مجهول ، وتحصيل المعلوم أولى .
وأما الصبح فتقديمها أفضل ، لحديث عائشة رضي الله عنها في الصبح : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس } .
ولحديث جابر رضي الله عنه [ في الصبح أيضا ] : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم في صلاة العشاء قد اجتمعوا عجل ، وإذا رآهم أبطئوا أخر } .
والصبح كانوا أو { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس } ; معناه كانوا مجتمعين أو لم يكونوا مجتمعين كان يغلس بها .
وأما المغرب فلمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها على الصلاة عند غروب الشمس اقتدي به في ذلك أو امتثل أمره ، وبالجملة فلا يعادل المبادرة إلى أول الوقت شيء .
قال الله تعالى مخبرا عن موسى صلى الله عليه وسلم : { وعجلت إليك رب لترضى }
[ ص: 68 ] وروى الدارقطني عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أول الوقت رضوان الله ، وآخره عفو الله } .
قال : رضوان الله أحب إلينا من عفوه ; فإن رضوانه للمحسنين ، وعفوه للمقصرين .
وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر إذا زالت الشمس } .
ولعله في السفر إذا اجتمع أصحابه ، إذ قد صح عنه أنه قال : { أبردوا حتى رأينا فيء التلول } .


