الآية السابعة عشرة قوله تعالى : { إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء }
فيها تسع مسائل :
المسألة الأولى : قد بينا في غير موضع أن ، فتجتمع الأقوال في الانعقاد والربط كما تجتمع الأفعال في الاتصال والضم ، لكن النكاح أصله الضم والجمع العرب على عادتها خصصت اسم النكاح ببعض أحوال الجمع وبعض محاله ، وما تعلق بالنساء ، واقتضى تعاطي اللذة فيها ، واستيفاء الوطر منها ، وعلى ذلك من المعنيين جاءت الآثار والآيات .
المسألة الثانية : قوله تعالى : { ما نكح } اختلف العلماء في ؟ وقد بينا في رسالة ملجئة المتفقهين أن ذلك مستعمل في اللغة شائع فيها ، وفي الشريعة . [ ص: 475 ] وجهل المفسرون هذا المقدار ، واختلفت عباراتهم في ذلك ، فقالت طائفة : المعنى ولا تنكحوا نكاح آبائكم يعني النكاح الفاسد المخالف لدين الله ; إذ الله سبحانه قد أحكم وجه النكاح ، وفصل شروطه . والمعنى الصحيح : ولا تنكحوا نساء آبائكم ، ولا تكون ( ما ) هنا بمعنى المصدر ; لاتصالها بالفعل ، وإنما هي بمعنى الذي ، وبمعنى من ، والدليل عليه أمران : أحدهما : أن الصحابة إنما تلقت الآية على هذا المعنى ، ومنه استدلت على منع نكاح الأبناء حلائل الآباء . كلمة " ما " هل يخبر بها عما يعقل أم لا
الثاني : أن قوله : { إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } تعقب النهي بالذم البالغ المتتابع ; وهذا دليل على أنه انتهاء من القبح إلى الغاية ، وذلك هو خلف الأبناء على حلائل الآباء ; إذ كانوا في الجاهلية يستقبحونه ويستهجنون فاعله ويسمونه المقتي ; نسبوه إلى المقت . فأما النكاح الفاسد فلم يكن عندهم ولا يبلغ إلى هذا الحد .