المسألة الثانية : قوله تعالى : { وأولي الأمر منكم } : فيها قولان : الأول : قال : هم أصحاب السرايا ، وروي في ذلك حديثا ، وهو اختيار ميمون بن مهران ، وروي عن البخاري أنها نزلت في ابن عباس ، إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية . عبد الله بن حذافة
الثاني : قال : هم العلماء ، وبه قال أكثر التابعين ، و اختاره جابر ; قال مالك [ ص: 574 ] مطرف : سمعنا وابن مسلمة يقول : هم العلماء . مالكا
وقال خالد بن نزار ، وقفت على فقلت : يا مالك ; ما ترى في قوله تعالى : { أبا عبد الله وأولي الأمر منكم } ؟ قال : وكان محتبيا فحل حبوته ، وكان عنده أصحاب الحديث ففتح عينيه في وجهي ، وعلمت ما أراد ، وإنما عنى أهل العلم ; واختاره واحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم : { الطبري } الحديث . من أطاع أميري فقد أطاعني
والصحيح عندي أنهم الأمراء والعلماء جميعا ، أما الأمراء فلأن أصل الأمر منهم والحكم إليهم . وأما العلماء فلأن سؤالهم واجب متعين على الخلق ، وجوابهم لازم ، وامتثال فتواهم واجب ، يدخل فيه الزوج للزوجة ، لا سيما وقد قدمنا أن كل هؤلاء حاكم ، وقد سماهم الله تعالى بذلك فقال : { يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار } . فأخبر تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم حاكم [ والرباني حاكم ] ، والحبر حاكم ، والأمر كله يرجع إلى العلماء ; لأن الأمر قد أفضى إلى الجهال ، وتعين عليهم سؤال العلماء ; ولذلك نظر إلى مالك خالد بن نزار نظرة منكرة ، كأنه يشير بها إلى أن الأمر قد وقف في ذلك على العلماء ، وزال عن الأمراء لجهلهم واعتدائهم ، والعادل منهم مفتقر إلى العالم كافتقار الجاهل .