الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } : قال علماؤنا : ردوه إلى كتاب الله ، فإذا لم تجدوه فإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم تجدوه فكما قال علي : ما عندنا إلا ما في كتاب الله تعالى أو ما في هذه الصحيفة ، أو فهم أوتيه رجل مسلم ، وكما { قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله . قال : فإن لم تجد . قال : بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأيي ، ولا آلو . قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله } . [ ص: 575 ] فإن قيل : هذا لا يصح . قلنا : قد بينا في كتاب " شرح الحديث الصحيح " وكتاب " نواهي الدواهي " صحته

                                                                                                                                                                                                              ، وأخذ الخلفاء كلهم بذلك ; ولذلك قال أبو بكر الصديق للأنصار : إن الله جعلكم المفلحين ، وسمانا الصادقين ; فقال : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم } إلى قوله تعالى : { أولئك هم الصادقون } . ثم قال : { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم } إلى قوله : { فأولئك هم المفلحون } . وقد أمركم الله سبحانه وتعالى أن تكونوا معنا حيث كنا ، فقال : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } . { وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بالأنصار خيرا } . ولو كان لكم من الأمر شيء ما أوصى بكم " . وقال له عمر حين ارتد مانعوا الزكاة : خذ منهم الصلاة ودع الزكاة . فقال : لا أفعل ; فإن الزكاة حق المال والصلاة حق البدن . وقال عمر بن الخطاب : نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا . وجاءت الجدة الأخرى إليه فقال لها : لا أجد لك في كتاب الله شيئا ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السدس ; فأيتكما خلت به فهو لها ، فإن اجتمعتما فهو بينكما . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قضى بالسدس للجدة غير معينة } ; فوجب أن يشتركا فيه عند الاجتماع . وكذلك لما جمع الصحابة في أمر الوباء بالشام فتكلموا معه بأجمعهم وهم متوافرون ، ما ذكروا في طلبهم الحق في مسألتهم لله كلمة ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم حرفا ; لأنه لم يكن عندهم ، وأفتوا وحكم عمر ، ونازعه أبو عبيدة ، فقال له : أرأيت لو [ ص: 576 ] كان لك إبل فهبطت بها واديا له عدوتان : إحداها خصبة والأخرى جدبة ; أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ، فضرب المثل لنفسه بالرعي والناس بالإبل ، والأرض الوبئة بالعدوة الجدبة ، والأرض السليمة بالعدوة الخصبة ، ولاختيار السلامة باختيار الخصب ; فأين كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا كله ؟ أيقال : قال الله تعالى : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لم يقولا ، فذلك كفر ، أم يقال : دع هذا فليس لله فيه حكم ، فذلك كفر ، ولكن تضرب الأمثال ويطلب المثال حتى يخرج الصواب . قال أبو العالية : وذلك قوله تعالى : { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } .

                                                                                                                                                                                                              وقال عثمان بن عفان وأصحابه حين جمعوا القرآن : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ولم يبين لنا موضع براءة ، وإن قصتها لتشبه قصة الأنفال ، فنرى أن نكتبها معها ولا نكتب بينها سطر { بسم الله الرحمن الرحيم } . فأثبتوا موضع القرآن بقياس الشبه . وقال علي : نرى أن مدة الحمل ستة أشهر ; لأن الله تعالى يقول : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } . وقال : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } . فإذا فصلتهما من ثلاثين شهرا بقيت ستة أشهر . ولذلك قال ابن عباس : صوم الجنب صحيح ; لأن الله سبحانه وتعالى قال : { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فيقع الاغتسال بعد الفجر ، وقد انعقد جزء من الصوم وهو فاتحته مع الجنابة ، ولو سردنا نبط الصحابة لتبين خطأ الجهالة ، وفي هذا كفاية للعلماء ; فإن عارضكم السفهاء فالعجلة العجلة إلى كتاب نواهي الدواهي ، ففيه الشفاء إن شاء الله تعالى . [ ص: 577 ]

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية