قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين لا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين
فيه مسألتان :
الأولى : لما علم أنهم ملائكة - إذ أخبروه بأمر خارق للعادة وهو بشراهم بالولد - قال : فما خطبكم ؟ والخطب الأمر الخطير . أي فما أمركم وشأنكم وما الذي جئتم به .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين أي مشركين ضالين . وفي الكلام إضمار ; أي أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إلا آل لوط أتباعه وأهل دينه .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إنا لمنجوهم أجمعين وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " لمنجوهم " بالتخفيف من أنجى . الباقون : بالتشديد من نجى ، واختاره
أبو عبيد وأبو حاتم . والتنجية والإنجاء التخليص .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إلا امرأته استثنى من
آل لوط امرأته وكانت كافرة فالتحقت بالمجرمين في الهلاك . وقد تقدمت قصة
قوم لوط في " الأعراف " وسورة " هود " بما فيه كفاية .
[ ص: 34 ] nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60قدرنا إنها لمن الغابرين أي قضينا وكتبنا إنها لمن الباقين في العذاب . والغابر : الباقي . قال :
لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتج
الأغبار بقايا اللبن . وقرأ
أبو بكر والمفضل " قدرنا " بالتخفيف هنا وفي النمل ، وشدد الباقون .
الهروي : يقال قدر وقدر ، بمعنى .
الثانية : لا خلاف بين أهل اللسان وغيرهم أن
nindex.php?page=treesubj&link=21186الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ; فإذا
nindex.php?page=treesubj&link=21188قال رجل : له علي عشرة دراهم إلا أربعة إلا درهما ; ثبت الإقرار بسبعة ; لأن الدرهم مستثنى من الأربعة ، وهو مثبت لأنه مستثنى من منفي ، وكانت الأربعة منفية لأنها مستثناة من موجب وهو العشرة ، فعاد الدرهم إلى الستة فصارت سبعة . وكذلك لو
nindex.php?page=treesubj&link=21188قال : علي خمسة دراهم إلا درهما إلا ثلثيه ; كان عليه أربعة دراهم وثلث . وكذلك إذا قال : لفلان علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة ; كان الاستثناء الثاني راجعا إلى ما قبله ، والثالث إلى الثاني فيكون عليه درهمان ; لأن العشرة إثبات والثمانية إثبات فيكون مجموعها ثمانية عشر . والتسعة نفي والسبعة نفي فيكون ستة عشر تسقط من ثمانية عشر ويبقى درهمان ، وهو القدر الواجب بالإقرار لا غير . فقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته فاستثنى
آل لوط من القوم المجرمين ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إلا امرأته فاستثناها من
آل لوط ، فرجعت في التأويل إلى القوم المجرمين كما بينا . وهكذا الحكم في الطلاق ، لو قال لزوجته : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة طلقت اثنتين ; لأن الواحدة رجعت إلى الباقي من المستثنى منه وهي الثلاث . وكذا كل ما جاء من هذا ، فتفهمه .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=57قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ لَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ - إِذْ أَخْبَرُوهُ بِأَمْرٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ وَهُوَ بُشْرَاهُمْ بِالْوَلَدِ - قَالَ : فَمَا خَطْبُكُمْ ؟ وَالْخَطْبُ الْأَمْرُ الْخَطِيرُ . أَيْ فَمَا أَمْرُكُمْ وَشَأْنُكُمْ وَمَا الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ أَيْ مُشْرِكِينَ ضَالِّينَ . وَفِي الْكَلَامِ إِضْمَارٌ ; أَيْ أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ لِنُهْلِكَهُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِلَّا آلَ لُوطٍ أَتْبَاعَهُ وَأَهْلَ دِينِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=59إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَرَأَ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ " لَمُنْجُوهُمْ " بِالتَّخْفِيفِ مِنْ أَنْجَى . الْبَاقُونَ : بِالتَّشْدِيدِ مِنْ نَجَّى ، وَاخْتَارَهُ
أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ . وَالتَّنْجِيَةُ وَالْإِنْجَاءُ التَّخْلِيصُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِلَّا امْرَأَتَهُ اسْتَثْنَى مِنْ
آلِ لُوطٍ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ كَافِرَةً فَالْتَحَقَتْ بِالْمُجْرِمِينَ فِي الْهَلَاكِ . وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّةُ
قَوْمِ لُوطٍ فِي " الْأَعْرَافِ " وَسُورَةِ " هُودٍ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ .
[ ص: 34 ] nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ أَيْ قَضَيْنَا وَكَتَبْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْبَاقِينَ فِي الْعَذَابِ . وَالْغَابِرُ : الْبَاقِي . قَالَ :
لَا تَكْسَعُ الشَّوْلَ بِأَغْبَارِهَا إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَنِ النَّاتِجِ
الْأَغْبَارُ بَقَايَا اللَّبَنِ . وَقَرَأَ
أَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ " قَدَرْنَا " بِالتَّخْفِيفِ هُنَا وَفِي النَّمْلِ ، وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ .
الْهَرَوِيُّ : يُقَالُ قَدَّرَ وَقَدَرَ ، بِمَعْنًى .
الثَّانِيَةُ : لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21186الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ وَمِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ ; فَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=21188قَالَ رَجُلٌ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا دِرْهَمًا ; ثَبَتَ الْإِقْرَارُ بِسَبْعَةٍ ; لِأَنَّ الدِّرْهَمَ مُسْتَثْنًى مِنَ الْأَرْبَعَةِ ، وَهُوَ مُثْبَتٌ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَنْفِيٍّ ، وَكَانَتِ الْأَرْبَعَةُ مَنْفِيَّةً لِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ مُوجَبٍ وَهُوَ الْعَشَرَةُ ، فَعَادَ الدِّرْهَمُ إِلَى السِّتَّةِ فَصَارَتْ سَبْعَةً . وَكَذَلِكَ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=21188قَالَ : عَلَيَّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إِلَّا دِرْهَمًا إِلَّا ثُلُثَيْهِ ; كَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ . وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا تِسْعَةً إِلَّا ثَمَانِيَةً إِلَّا سَبْعَةً ; كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي رَاجِعًا إِلَى مَا قَبْلَهُ ، وَالثَّالِثُ إِلَى الثَّانِي فَيَكُونُ عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ ; لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إِثْبَاتٌ وَالثَّمَانِيَةُ إِثْبَاتٌ فَيَكُونُ مَجْمُوعُهَا ثَمَانِيَةُ عَشَرَ . وَالتِّسْعَةُ نَفْيٌ وَالسَّبْعَةُ نَفْيٌ فَيَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ تَسْقُطُ مِنْ ثَمَانِيَةِ عَشَرَ وَيَبْقَى دِرْهَمَانِ ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ بِالْإِقْرَارِ لَا غَيْرَ . فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=58إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ فَاسْتَثْنَى
آلَ لُوطٍ مِنَ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=60إِلَّا امْرَأَتَهُ فَاسْتَثْنَاهَا مِنْ
آلِ لُوطٍ ، فَرَجَعَتْ فِي التَّأْوِيلِ إِلَى الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ كَمَا بَيَّنَّا . وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الطَّلَاقِ ، لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتِ اثْنَتَيْنِ ; لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ رَجَعَتْ إِلَى الْبَاقِي مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهِيَ الثَّلَاثُ . وَكَذَا كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا ، فَتَفَهَّمْهُ .