قوله تعالى : ياقوم لكم الملك هذا من قول مؤمن آل فرعون ، وفي قوله يا قوم دليل على أنه قبطي ، ولذلك أضافهم إلى نفسه فقال : يا قوم ليكونوا أقرب إلى قبول وعظه لكم الملك فاشكروا الله على ذلك . اليوم ظاهرين في الأرض أي غالبين ، وهو نصب على الحال أي : في حال ظهوركم . والمراد بالأرض أرض مصر في قول وغيره ، [ ص: 277 ] كقوله : السدي وكذلك مكنا ليوسف في الأرض . أي في أرض مصر .
فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا أي من عذاب الله تحذيرا لهم من نقمه إن كان موسى صادقا ، فذكر وحذر فعلم فرعون ظهور حجته فقال : ما أريكم إلا ما أرى . قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما أشير عليكم إلا ما أرى لنفسي . وما أهديكم إلا سبيل الرشاد في تكذيب موسى والإيمان بي .
قوله تعالى : وقال الذي آمن يا قوم زادهم في الوعظ إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب يعني أيام العذاب التي عذب فيها المتحزبون على الأنبياء المذكورين فيما بعد .
يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد زاد في الوعظ والتخويف وأفصح عن إيمانه ، إما مستسلما موطنا نفسه على القتل ، أو واثقا بأنهم لا يقصدونه بسوء ، وقد وقاه الله شرهم بقوله الحق قوله تعالى : فوقاه الله سيئات ما مكروا . وقراءة العامة التناد بتخفيف الدال وهو يوم القيامة ، قال أمية بن أبي الصلت :
وبث الخلق فيها إذ دحاها فهم سكانها حتى التناد
سمي بذلك لمناداة الناس بعضهم بعضا ، فينادي أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ، وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار : أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة : أن أفيضوا علينا من الماء وينادي المنادي أيضا بالشقوة والسعادة : ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا ، ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا . وهذا عند وزن الأعمال . وتنادي الملائكة أصحاب الجنة : أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون وينادى حين يذبح الموت : يا أهل الجنة خلود لا موت ، ويا أهل النار خلود لا موت . وينادى كل قوم بإمامهم ، إلى غير ذلك من النداء . وقرأ الحسن وابن السميقع ويعقوب وابن كثير ومجاهد : " التنادي " بإثبات الياء في الوصل والوقف على الأصل . وقرأ ابن عباس والضحاك وعكرمة " يوم التناد " بتشديد الدال . [ ص: 278 ] قال بعض أهل العربية : هذا لحن ; لأنه من ند يند إذا مر على وجهه هاربا ، كما قال الشاعر :
وبرك هجود قد أثارت مخافتي نواديها أسعى بعضب مجرد
قال : فلا معنى لهذا في القيامة . قال : وهذا غلط ، والقراءة بها حسنة على معنى : يوم التنافر . قال أبو جعفر النحاس الضحاك : ذلك إذا سمعوا زفير جهنم ندوا هربا ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفا من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله : يوم التناد . وقوله : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض الآية . وقوله : والملك على أرجائها ذكره ابن المبارك بمعناه . قال : وأخبرنا قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عبد الجبار بن عبيد الله بن سلمان في قوله تعالى : إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ثم تستجيب لهم أعينهم بالدمع فيبكون حتى ينفد الدمع ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدم فيبكون حتى ينفد الدم ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح . قال : يرسل عليهم من الله أمر فيولون مدبرين ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح ، فيبكون حتى ينفد القيح فتغور أعينهم كالخرق في الطين . وقيل : إن هذا يكون عند نفخ إسرافيل - عليه السلام - في الصور نفخة الفزع . ذكره علي بن معبد وغيرهما من حديث والطبري ، وفيه : فتكون الأرض كالسفينة في البحر تضربها الأمواج ، فيميد الناس على ظهرها ، وتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، وتشيب الولدان ، وتتطاير الشياطين هاربة فتلقاها الملائكة تضرب وجوهها ، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا ، وهي التي يقول الله تعالى : أبي هريرة يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد الحديث بكماله . وقد ذكرناه في كتاب التذكرة وتكلمنا عليه هناك . وروي عن علي بن نصر عن أبي عمرو إسكان الدال من " التناد " في الوصل خاصة . وروى أبو معمر عن عبد الوارث زيادة الياء في الوصل خاصة وهو مذهب ورش . والمشهور عن أبي عمرو حذفها في الحالين . وكذلك قرأ سائر السبعة سوى ورش على ما ذكرنا عنه وسوى ابن كثير على ما تقدم . وقيل : سمي يوم القيامة يوم التناد ; لأن الكافر ينادى فيه بالويل والثبور والحسرة . قاله . وقيل : فيه إضمار أي : إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد ، فالله أعلم . ابن جريج
يوم تولون مدبرين [ ص: 279 ] على البدل من يوم التناد . ومن يضلل الله فما له من هاد أي من خلق الله في قلبه الضلال فلا هادي له . وفي قائله قولان : أحدهما موسى . الثاني مؤمن آل فرعون وهو الأظهر . والله أعلم .