قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون
وفيه سبع مسائل :
الأولى : أخبر الله تعالى أن الذي يكتم ما أنزل من البينات والهدى ملعون . واختلفوا من المراد بذلك ، فقيل : أحبار
اليهود ورهبان
النصارى الذين كتموا أمر
محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد كتم
اليهود أمر الرجم . وقيل : المراد كل من كتم الحق ، فهي عامة في كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه ، وذلك مفسر في قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837268nindex.php?page=treesubj&link=27962من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص أخرجه
ابن ماجه . ويعارضه قول
عبد الله بن [ ص: 173 ] مسعود : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة . وقال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837269حدث الناس بما يفهمون أتحبون أن يكذب الله ورسوله . وهذا محمول على بعض العلوم ، كعلم الكلام أو ما لا يستوي في فهمه جميع العوام ، فحكم العالم أن يحدث بما يفهم عنه ، وينزل كل إنسان منزلته ، والله تعالى أعلم .
الثانية : هذه الآية هي التي أراد
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه في قوله : لولا آية في كتاب الله تعالى ما حدثتكم حديثا . وبها استدل العلماء على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=27964_18476تبليغ العلم الحق ، وتبيان العلم على الجملة ، دون أخذ الأجرة عليه ، إذ لا يستحق الأجرة على ما عليه فعله ، كما لا يستحق الأجرة على الإسلام ، وقد مضى القول في هذا .
وتحقيق الآية هو : أن العالم إذا قصد كتمان العلم عصى ، وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أنه مع غيره . وأما من سئل فقد وجب عليه التبليغ لهذه الآية وللحديث . أما أنه لا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=28376_18624تعليم الكافر القرآن والعلم حتى يسلم ، وكذلك لا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=18255_28431تعليم المبتدع الجدال والحجاج ليجادل به أهل الحق ، ولا يعلم الخصم على خصمه حجة يقطع بها ماله ، ولا السلطان تأويلا يتطرق به إلى مكاره الرعية ، ولا ينشر الرخص في السفهاء فيجعلوا ذلك طريقا إلى ارتكاب المحظورات ، وترك الواجبات ونحو ذلك . يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500034لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ولا تضعوها في غير أهلها فتظلموها . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير ، يريد تعليم الفقه من ليس من أهله . وقد قال
سحنون :
[ ص: 174 ] إن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص إنما جاء في الشهادة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : والصحيح خلافه ; لأن في الحديث ( من سئل عن علم ) ولم يقل عن شهادة ، والبقاء على الظاهر حتى يرد عليه ما يزيله ، والله أعلم .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159من البينات والهدى يعم المنصوص عليه والمستنبط ، لشمول اسم الهدى للجميع . وفيه دليل على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=29595_26503العمل بقول الواحد ; لأنه لا يجب عليه البيان إلا وقد وجب قبول قوله ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فحكم بوقوع البيان بخبرهم .
فإن قيل : إنه يجوز أن يكون كل واحد منهم منهيا عن الكتمان ومأمورا بالبيان ليكثر المخبرون ويتواتر بهم الخبر . قلنا : هذا غلط ; لأنهم لم ينهوا عن الكتمان إلا وهم ممن يجوز عليهم التواطؤ عليه ، ومن جاز منهم التواطؤ على الكتمان فلا يكون خبرهم موجبا للعلم ، والله تعالى أعلم .
الرابعة : لما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159من البينات والهدى دل على أن ما كان من غير ذلك جائز كتمه ، لا سيما إن كان مع ذلك خوف فإن ذلك آكد في الكتمان . وقد ترك
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ذلك حين خاف فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837271حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ، فأما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . قال
أبو عبد الله : البلعوم مجرى الطعام . قال علماؤنا : وهذا الذي لم يبثه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن والنص على أعيان المرتدين والمنافقين ، ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى ، والله تعالى أعلم .
الخامسة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159من بعد ما بيناه الكناية في بيناه ترجع إلى ما أنزل من البينات والهدى . والكتاب : اسم جنس ، فالمراد جميع الكتب المنزلة .
السادسة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159أولئك يلعنهم الله أي يتبرأ منهم ويبعدهم من ثوابه ويقول لهم : عليكم لعنتي ، كما قال للعين :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=78وإن عليك لعنتي . وأصل اللعن في اللغة الإبعاد والطرد ، وقد تقدم .
[ ص: 175 ] السابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=28973قوله تعالى : ويلعنهم اللاعنون قال
قتادة والربيع : المراد ب اللاعنون الملائكة والمؤمنون . قال
ابن عطية : وهذا واضح جار على مقتضى الكلام . وقال
مجاهد وعكرمة : هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم . قال
الزجاج : والصواب قول من قال : اللاعنون الملائكة والمؤمنون ، فأما أن يكون ذلك لدواب الأرض فلا يوقف على حقيقته إلا بنص أو خبر لازم ولم نجد من ذينك شيئا .
قلت : قد جاء بذلك خبر رواه
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب رضي الله عنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=837272قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون قال : ( دواب الأرض ) . أخرجه
ابن ماجه عن
محمد بن الصباح أنبأنا
عمار بن محمد عن
ليث عن
أبي المنهال عن
زاذان عن
البراء إسناد حسن .
فإن قيل : كيف جمع من لا يعقل جمع من يعقل ؟ قيل : لأنه أسند إليهم فعل من يعقل ، كما قال : رأيتهم لي ساجدين ولم يقل ساجدات ، وقد قال : لم شهدتم علينا ، وقال : وتراهم ينظرون إليك ، ومثله كثير ، وسيأتي إن شاء الله تعالى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : اللاعنون كل المخلوقات ما عدا الثقلين : الجن والإنس ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500035الكافر إذا ضرب في قبره فصاح سمعه الكل إلا الثقلين ولعنه كل سامع . وقال
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : ( هو الرجل يلعن صاحبه فترتفع اللعنة إلى السماء ثم تنحدر فلا تجد صاحبها الذي قيلت فيه أهلا لذلك ، فترجع إلى الذي تكلم بها فلا تجده
[ ص: 176 ] أهلا فتنطلق فتقع على
اليهود الذين كتموا ما أنزل الله تعالى ، فهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159ويلعنهم اللاعنون فمن مات منهم ارتفعت اللعنة عنه فكانت فيمن بقي من
اليهود ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ
وَفِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي يَكْتُمُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مَلْعُونٌ . وَاخْتَلَفُوا مَنِ الْمُرَادِ بِذَلِكَ ، فَقِيلَ : أَحْبَارُ
الْيَهُودِ وَرُهْبَانُ
النَّصَارَى الَّذِينَ كَتَمُوا أَمْرَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ كَتَمَ
الْيَهُودُ أَمْرَ الرَّجْمِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ كُلُّ مَنْ كَتَمَ الْحَقَّ ، فَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ كَتَمَ عِلْمًا مِنْ دِينِ اللَّهِ يُحْتَاجُ إِلَى بَثِّهِ ، وَذَلِكَ مُفَسَّرٌ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837268nindex.php?page=treesubj&link=27962مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=59وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَخْرَجَهُ
ابْنُ مَاجَهْ . وَيُعَارِضُهُ قَوْلُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [ ص: 173 ] مَسْعُودٍ : مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةٌ . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837269حَدِّثِ النَّاسَ بِمَا يَفْهَمُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ الْعُلُومِ ، كَعِلْمِ الْكَلَامِ أَوْ مَا لَا يَسْتَوِي فِي فَهْمِهِ جَمِيعُ الْعَوَامِّ ، فَحُكْمُ الْعَالِمِ أَنْ يُحَدِّثَ بِمَا يُفْهَمُ عَنْهُ ، وَيُنْزِلَ كُلَّ إِنْسَانٍ مَنْزِلَتَهُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الَّتِي أَرَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ : لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُكُمْ حَدِيثًا . وَبِهَا اسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=27964_18476تَبْلِيغِ الْعِلْمِ الْحَقِّ ، وَتِبْيَانِ الْعِلْمِ عَلَى الْجُمْلَةِ ، دُونَ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ ، إِذْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عَلَى مَا عَلَيْهِ فِعْلُهُ ، كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا .
وَتَحْقِيقُ الْآيَةِ هُوَ : أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا قَصَدَ كِتْمَانَ الْعِلْمِ عَصَى ، وَإِذَا لَمْ يَقْصِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّبْلِيغُ إِذَا عُرِفَ أَنَّهُ مَعَ غَيْرِهِ . وَأَمَّا مَنْ سُئِلَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّبْلِيغُ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَلِلْحَدِيثِ . أَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=28376_18624تَعْلِيمُ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ حَتَّى يُسْلِمَ ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=18255_28431تَعْلِيمُ الْمُبْتَدِعِ الْجِدَالَ وَالْحِجَاجَ لِيُجَادِلَ بِهِ أَهْلَ الْحَقِّ ، وَلَا يُعَلَّمُ الْخَصْمُ عَلَى خَصْمِهِ حُجَّةً يَقْطَعُ بِهَا مَالَهُ ، وَلَا السُّلْطَانُ تَأْوِيلًا يَتَطَرَّقُ بِهِ إِلَى مَكَارِهَ الرَّعِيَّةِ ، وَلَا يَنْشُرُ الرُّخَصَ فِي السُّفَهَاءِ فَيَجْعَلُوا ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ ، وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ . يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500034لَا تَمْنَعُوا الْحِكْمَةَ أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ وَلَا تَضَعُوهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا . وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
لَا تُعَلِّقُوا الدُّرَّ فِي أَعْنَاقِ الْخَنَازِيرِ ، يُرِيدُ تَعْلِيمَ الْفِقْهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ . وَقَدْ قَالَ
سَحْنُونٌ :
[ ص: 174 ] إِنَّ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=59وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِنَّمَا جَاءَ فِي الشَّهَادَةِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ ; لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ ( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ ) وَلَمْ يَقُلْ عَنْ شَهَادَةٍ ، وَالْبَقَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ مَا يُزِيلُهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى يَعُمُّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَنْبَطَ ، لِشُمُولِ اسْمِ الْهُدَى لِلْجَمِيعِ . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=29595_26503الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ إِلَّا وَقَدْ وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَحَكَمَ بِوُقُوعِ الْبَيَانِ بِخَبَرِهِمْ .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَنْهِيًّا عَنِ الْكِتْمَانِ وَمَأْمُورًا بِالْبَيَانِ لِيَكْثُرَ الْمُخْبِرُونَ وَيَتَوَاتَرَ بِهِمُ الْخَبَرُ . قُلْنَا : هَذَا غَلَطٌ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْهَوْا عَنِ الْكِتْمَانِ إِلَّا وَهُمْ مِمَّنْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤ عَلَيْهِ ، وَمَنْ جَازَ مِنْهُمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكِتْمَانِ فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُمْ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
الرَّابِعَةُ : لَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ جَائِزٌ كَتْمِهِ ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ خَوْفِ فَإِنَّ ذَلِكَ آكَدُ فِي الْكِتْمَانِ . وَقَدْ تَرَكَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ ذَلِكَ حِينَ خَافَ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837271حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ . أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ . قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : الْبُلْعُومُ مَجْرَى الطَّعَامِ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا الَّذِي لَمْ يَبُثَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ الْفِتْنَةَ أَوِ الْقَتْلَ إِنَّمَا هُوَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْفِتَنِ وَالنَّصِّ عَلَى أَعْيَانِ الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُنَافِقِينَ ، وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ الْكِنَايَةُ فِي بَيَّنَّاهُ تَرْجِعُ إِلَى مَا أُنْزِلَ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى . وَالْكِتَابُ : اسْمُ جِنْسٍ ، فَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ .
السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ أَيْ يَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ وَيُبْعِدُهُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَيَقُولُ لَهُمْ : عَلَيْكُمْ لَعْنَتِي ، كَمَا قَالَ لِلَّعِينِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=78وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي . وَأَصْلُ اللَّعْنِ فِي اللُّغَةِ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ .
[ ص: 175 ] السَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28973قَوْلُهُ تَعَالَى : وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ قَالَ
قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ : الْمُرَادُ بِ اللَّاعِنُونَ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا وَاضِحٌ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى الْكَلَامِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ : هُمُ الْحَشَرَاتُ وَالْبَهَائِمُ يُصِيبُهُمُ الْجَدْبُ بِذُنُوبِ عُلَمَاءِ السُّوءِ الْكَاتِمِينَ فَيَلْعَنُونَهُمْ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَالصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : اللَّاعِنُونَ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِدَوَابِّ الْأَرْضِ فَلَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ إِلَّا بِنَصٍّ أَوْ خَبَرٍ لَازِمٍ وَلَمْ نَجِدْ مِنْ ذَيْنِكَ شَيْئًا .
قُلْتُ : قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ خَبَرٌ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=837272قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ قَالَ : ( دَوَابُّ الْأَرْضِ ) . أَخْرَجَهُ
ابْنُ مَاجَهْ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ أَنْبَأَنَا
عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ
لَيْثٍ عَنْ
أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ
زَاذَانَ عَنِ
الْبَرَاءِ إِسْنَادٌ حَسَنٌ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ جُمِعَ مَنْ لَا يَعْقِلُ جَمْعَ مَنْ يَعْقِلُ ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ أُسْنِدَ إِلَيْهِمْ فِعْلُ مَنْ يَعْقِلُ ، كَمَا قَالَ : رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ وَلَمْ يَقُلْ سَاجِدَاتٍ ، وَقَدْ قَالَ : لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ، وَقَالَ : وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ : اللَّاعِنُونَ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ مَا عَدَا الثَّقَلَيْنِ : الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500035الْكَافِرُ إِذَا ضُرِبَ فِي قَبْرِهِ فَصَاحَ سَمِعَهُ الْكُلُّ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ وَلَعَنَهُ كُلُّ سَامِعٍ . وَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ : ( هُوَ الرَّجُلُ يَلْعَنُ صَاحِبَهُ فَتَرْتَفِعُ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْحَدِرُ فَلَا تَجِدُ صَاحِبَهَا الَّذِي قِيلَتْ فِيهِ أَهْلًا لِذَلِكَ ، فَتَرْجِعُ إِلَى الَّذِي تَكَلَّمَ بِهَا فَلَا تَجِدُهُ
[ ص: 176 ] أَهْلًا فَتَنْطَلِقُ فَتَقَعُ عَلَى
الْيَهُودِ الَّذِينَ كَتَمُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمُ ارْتَفَعَتِ اللَّعْنَةُ عَنْهُ فَكَانَتْ فِيمَنْ بَقِيَ مِنَ
الْيَهُودِ ) .