الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ولا تشتهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض .

وذكر أن ذلك نزل في نساء تمنين منازل الرجال ، وأن يكون لهم ما لهم ، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة ، وأمرهم أن يسألوه من فضله ، إذ كانت الأماني تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق .

[ ص: 261 ] ذكر الأخبار بما ذكرنا :

9236 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا نعطى الميراث ، ولا نغزو في سبيل الله فنقتل ؟ فنزلت : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض .

9237 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله : تغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ! فنزلت : " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ، ونزلت : ( إن المسلمين والمسلمات ) [ سورة الأحزاب : 35 ] .

9238 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، يقول : لا يتمنى الرجل يقول : " ليت أن لي مال فلان وأهله " ! فنهى الله سبحانه عن ذلك ، ولكن ليسأل الله من فضله .

9239 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، قال : قول النساء : " ليتنا رجالا فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال " ! [ ص: 262 ] 9240 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، قول النساء يتمنين : " ليتنا رجال فنغزو " ! ثم ذكر مثل حديث محمد بن عمرو .

9241 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت أم سلمة : أي رسول الله ، أتغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ؟ فنزلت : ولا تتمنوا ما فضل الله . [ ص: 263 ] 9242 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن شيخ من أهل مكة قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، قال : كان النساء يقلن : " ليتنا رجال فنجاهد كما يجاهد الرجال ، ونغزو في سبيل الله " ! فقال الله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض .

9243 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال : تتمنى مال فلان ومال فلان ! وما يدريك ؟ لعل هلاكه في ذلك المال !

9244 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ومجاهد : أنهما قالا : نزلت في أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة .

[ ص: 264 ] 9245 - وبه قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : هو الإنسان ، يقول : " وددت أن لي مال فلان " ! قال : واسألوا الله من فضله ، وقول النساء : " ليت أنا رجالا فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال " !

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا يتمن بعضكم ما خص الله بعضا من منازل الفضل .

ذكر من قال ذلك :

9246 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، فإن الرجال قالوا : " نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء ، كما لنا في السهام سهمان ، فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران " . وقالت النساء : " نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال ، فإنا لا نستطيع أن نقاتل ، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا " ! فأنزل الله تعالى الآية ، وقال لهم : سلوا الله من فضله ، يرزقكم الأعمال ، وهو خير لكم .

9247 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد قال : نهيتم عن الأماني ، ودللتم على ما هو خير منه : واسألوا الله من فضله .

9248 - حدثني المثنى قال : حدثنا عارم قال : حدثنا حماد بن زيد ، [ ص: 265 ] عن أيوب قال : كان محمد إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا قال : قد نهاكم الله عن هذا : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، ودلكم على خير منه : واسألوا الله من فضله .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام على هذا التأويل : ولا تتمنوا ، أيها الرجال والنساء ، الذي فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل ودرجات الخير ، وليرض أحدكم بما قسم الله له من نصيب ، ولكن سلوا الله من فضله .

التالي السابق


الخدمات العلمية