[ ص: 466 ] القول في ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ( 51 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ويقولون للذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - : هؤلاء يعني بذلك : هؤلاء الذين وصفهم الله بالكفر " أهدى " يعني : أقوم وأعدل " من الذين آمنوا " يعني : من الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاءهم به نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - " سبيلا " يعني : طريقا .
قال أبو جعفر : وإنما ذلك مثل . ومعنى الكلام : أن الله وصف الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما بأنهم قالوا : إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به ، وأن دين أهل التكذيب لله ولرسوله أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ولرسوله . وذكر أن ذلك من صفة كعب بن الأشرف وأنه قائل ذلك .
ذكر الآثار الواردة بما قلنا :
9786 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى ابن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش : أنت حبر أهل المدينة وسيدهم ؟ قال : نعم . قالوا : ألا ترى إلى هذا [ ص: 467 ] الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية ؟ ! قال : أنتم خير منه . قال : فأنزلت : ( إن شانئك هو الأبتر ) [ سورة الكوثر : 3 ] ، وأنزلت : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت " إلى قوله : " فلن تجد له نصيرا " " .
9787 - حدثنا قال : حدثنا ابن المثنى عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عكرمة في هذه الآية : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " ثم ذكر نحوه .
9788 - وحدثني إسحاق بن شاهين قال : أخبرنا خالد الواسطي ، عن داود ، عن عكرمة قال : قدم كعب بن الأشرف مكة ، فقال له المشركون : احكم بيننا وبين هذا الصنبور الأبتر ، فأنت سيدنا وسيد قومك ، فقال كعب : أنتم والله خير منه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب : إلى آخر الآية .
9789 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : أخبرنا أيوب ، عن عكرمة : أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش ، فاستجاشهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمرهم أن [ ص: 468 ] يغزوه ، وقال : إنا معكم نقاتله . فقالوا : إنكم أهل كتاب ، وهو صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما . ففعل . ثم قالوا : نحن أهدى أم محمد ؟ فنحن ننحر الكوماء ، ونسقي اللبن على الماء ، ونصل الرحم ، ونقري الضيف ، ونطوف بهذا البيت ، ومحمد قطع رحمه ، وخرج من بلده ؟ قال : بل أنتم خير وأهدى ، فنزلت فيه : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " .
9790 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : قال : لما كان من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السدي واليهود من بني النضير ما كان حين أتاهم يستعينهم في دية العامريين ، فهموا به وبأصحابه ، فأطلع الله رسوله على ما هموا به من ذلك . ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فهرب كعب بن الأشرف حتى أتى مكة فعاهدهم على محمد ، فقال له أبو سفيان : يا أبا سعد ، إنكم قوم تقرأون الكتاب وتعلمون ، ونحن قوم لا نعلم ، فأخبرنا ديننا خير أم دين محمد ؟ قال كعب : اعرضوا علي دينكم ، فقال أبو سفيان : نحن قوم ننحر الكوماء ، ونسقي الحجيج الماء ، ونقري الضيف ، ونعمر بيت ربنا ، ونعبد آلهتنا التي كان يعبد آباؤنا ، ومحمد يأمرنا أن نترك هذا ونتبعه قال : دينكم خير من دين محمد ، فاثبتوا عليه ، ألا ترون أن محمدا يزعم [ ص: 469 ] أنه بعث بالتواضع ، وهو ينكح من النساء ما شاء ، وما نعلم ملكا أعظم من ملك النساء ، فذلك حين يقول : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " .
9791 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد قال : نزلت في كعب بن الأشرف وكفار قريش . قال : كفار قريش أهدى من محمد - عليه السلام - قال : قدم ابن جريج كعب بن الأشرف فجاءته قريش فسألته عن محمد ، فصغر أمره ويسره ، وأخبرهم أنه ضال . قال : ثم قالوا له : ننشدك الله ، نحن أهدى أم هو ؟ فإنك قد علمت أنا ننحر الكوم ، ونسقي الحجيج ، ونعمر البيت ، ونطعم ما هبت الريح ؟ قال : أنتم أهدى .
وقال آخرون : بل هذه الصفة صفة جماعة من اليهود منهم : حيي بن أخطب ، وهم الذين قالوا للمشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه لهم .
ذكر الأخبار بذلك :
9792 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن قاله قال : أخبرني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان قريش الذين حزبوا الأحزاب من وغطفان وبني قريظة : حيي بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع ، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، [ ص: 470 ] وأبو عمار ، ووحوح بن عامر ، وهوذة بن قيس فأما وحوح وأبو عمار وهوذة فمن بني وائل ، وكان سائرهم من بني النضير فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول ، فاسألوهم : أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم ، فقالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه ، فأنزل الله فيهم : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت " إلى قوله : " وآتيناهم ملكا عظيما " .
9793 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت " : الآية ، قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، ورجلين من اليهود من بني النضير ، لقيا قريشا بموسم ، فقال لهم المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ؟ فإنا أهل السدانة والسقاية ، وأهل الحرم ؟ فقالا : لا بل أنتم أهدى من محمد وأصحابه ، وهما يعلمان أنهما كاذبان ، إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه .
وقال آخرون : بل هذه صفة حيي بن أخطب وحده ، وإياه عنى بقوله : " ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " .
ذكر من قال ذلك :
9794 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " إلى آخر الآية ، قال : جاء حيي بن [ ص: 471 ] أخطب إلى المشركين فقالوا : يا حيي إنكم أصحاب كتب ، فنحن خير أم محمد وأصحابه ؟ فقال : نحن وأنتم خير منهم ، فذلك قوله : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " إلى قوله : " ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا " .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصحة في ذلك قول من قال : إن ذلك خبر من الله - جل ثناؤه - عن جماعة من أهل الكتاب من اليهود . وجائز أن تكون كانت الجماعة الذين سماهم ابن عباس في الخبر الذي رواه محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد ، أو يكون حييا وآخر معه ، إما كعبا وإما غيره .