[ ص: 224 ] القول في ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( 120 ) ( 119 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه ، عن حال نصيب الشيطان المفروض الذين شاقوا الله ورسوله من بعد ما تبين لهم الهدى . يقول الله : ومن يتبع الشيطان فيطيعه في معصية الله وخلاف أمره ، ويواليه فيتخذه وليا لنفسه ونصيرا من دون الله " فقد خسر خسرانا مبينا " ، يقول : فقد هلك هلاكا ، وبخس نفسه حظها فأوبقها بخسا "مبينا" يبين عن عطبه وهلاكه ، لأن الشيطان لا يملك له نصرا من الله إذا عاقبه على معصيته إياه في خلافه أمره ، بل يخذله عند حاجته إليه . وإنما حاله معه ما دام حيا ممهلا بالعقوبة ، كما وصفه الله جل ثناؤه بقوله : " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " ، يعني بذلك جل ثناؤه : يعد الشيطان المريد أولياءه الذين هم نصيبه المفروض أن يكون لهم نصيرا ممن أرادهم بسوء ، وظهيرا لهم عليه ، يمنعهم منه ويدافع عنهم ، ويمنيهم الظفر على من حاول مكروههم والفلج عليهم .
ثم قال : " وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " يقول : وما يعد الشيطان أولياءه الذين اتخذوه وليا من دون الله إلا غرورا يعني : إلا باطلا .
وإنما جعل عدته إياهم جل ثناؤه ما وعدهم "غرورا" ، لأنهم كانوا يحسبون [ ص: 225 ] أنهم في اتخاذهم إياه وليا على حقيقة من عداته الكذب وأمانيه الباطلة ، حتى إذا حصحص الحق ، وصاروا إلى الحاجة إليه ، قال لهم عدو الله : ( إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل ) ، [ سورة إبراهيم : 22 ] . وكما قال للمشركين ببدر ، وقد زين لهم أعمالهم : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان ) ، وحصحص الحق ، وعاين جد الأمر ونزول عذاب الله بحزبه : ( نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) ، [ سورة الأنفال : 48 ] ، فصارت عداته ، عدو الله إياهم عند حاجتهم إليه غرورا ( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه ) . [ سورة النور : 39 ] .