قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " الذين يتربصون بكم " ، الذين ينتظرون ، أيها المؤمنون ، بكم" فإن كان لكم فتح من الله " ، يعني : فإن فتح الله [ ص: 324 ] عليكم فتحا من عدوكم ، فأفاء عليكم فيئا من المغانم"قالوا" لكم"ألم نكن معكم" ، نجاهد عدوكم ونغزوهم معكم ، فأعطونا نصيبا من الغنيمة ، فإنا قد شهدنا القتال معكم" وإن كان للكافرين نصيب " ، يعني : وإن كان لأعدائكم من الكافرين حظ منكم ، بإصابتهم منكم "قالوا" ، يعني : قال هؤلاء المنافقون للكافرين" ألم نستحوذ عليكم " ، ألم نغلب عليكم حتى قهرتم المؤمنين"ونمنعكم" منهم ، بتخذيلنا إياهم ، حتى امتنعوا منكم فانصرفوا" فالله يحكم بينكم يوم القيامة " ، يعني : فالله يحكم بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة ، فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل ، بإدخال أهل الإيمان جنته ، وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار ناره" ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، يعني : حجة يوم القيامة .
وذلك وعد من الله المؤمنين أنه لن يدخل المنافقين مدخلهم من الجنة ، ولا المؤمنين مدخل المنافقين ، فيكون بذلك للكافرين على المؤمنين حجة بأن يقولوا لهم ، إن أدخلوا مدخلهم : ها أنتم كنتم في الدنيا أعداءنا ، وكان المنافقون أولياءنا ، وقد اجتمعتم في النار ، فجمع بينكم وبين أوليائنا! فأين الذين كنتم تزعمون أنكم تقاتلوننا من أجله في الدنيا ؟ فذلك هو"السبيل" الذي وعد الله المؤمنين أن لا يجعلها عليهم للكافرين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
10711 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قوله : " ابن جريج فإن كان لكم فتح من الله " . قال : المنافقون يتربصون بالمسلمين" فإن كان لكم فتح " ، قال : إن أصاب المسلمون من عدوهم غنيمة [ ص: 325 ] قال المنافقون : " ألم نكن معكم " ، قد كنا معكم فأعطونا غنيمة مثل ما تأخذون"وإن كان للكافرين نصيب" ، يصيبونه من المسلمين ، قال المنافقون للكافرين : " ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين " ، قد كنا نثبطهم عنكم .
واختلف أهل التأويل في ألم نستحوذ عليكم " . تأويل قوله : "
فقال بعضهم : معناه : ألم نغلب عليكم .
ذكر من قال ذلك :
10712 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن في قوله : " السدي ألم نستحوذ عليكم " ، قال : نغلب عليكم .
وقال آخرون : معنى ذلك : ألم نبين لكم أنا معكم على ما أنتم عليه .
ذكر من قال ذلك :
10713 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن : " ابن جريج ألم نستحوذ عليكم " ، ألم نبين لكم أنا معكم على ما أنتم عليه .
قال أبو جعفر : وهذان القولان متقاربا المعنى . وذلك أن من تأوله بمعنى : "ألم نبين لكم" ، إنما أراد - إن شاء الله - : ألم نغلب عليكم بما كان منا من البيان لكم أنا معكم .
وأصل "إلاستحواذ" في كلام العرب ، فيما بلغنا ، الغلبة ، ومنه قول الله جل ثناؤه : ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ) ، [ سورة المجادلة : 19 ] ، بمعنى : غلب عليهم . يقال منه : "حاذ عليه واستحاذ ، يحيذ ويستحيذ ، وأحاذ [ ص: 326 ] يحيذ" . ومن لغة من قال : "حاذ" ، قول العجاج في صفة ثور وكلب :
يحوذهن وله حوذي
وقد أنشد بعضهم :
يحوزهن وله حوزي
وهما متقاربا المعنى . ومن لغة من قال"أحاذ" ، قول لبيد في صفة عير وأتن :
إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها وأوردها على عوج طوال
يعني بقوله : "وأحوذ جانبيها" ، غلبها وقهرها حتى حاذ كلا جانبيها ، فلم يشذ منها شيء .
وكان القياس في قوله : ( استحوذ عليهم الشيطان ) أن يأتي : "استحاذ عليهم" ، لأن"الواو" إذا كانت عين الفعل وكانت متحركة بالفتح وما قبلها ساكن ، جعلت العرب حركتها في"فاء" الفعل قبلها ، وحولوها"ألفا" ، متبعة حركة ما قبلها ، كقولهم : "استحال هذا الشيء عما كان عليه" ، من"حال يحول" و"استنار [ ص: 327 ] فلان بنور الله" ، من"النور" و"استعاذ بالله" من"عاذ يعوذ" . وربما تركوا ذلك على أصله كما قال لبيد : "وأحوذ" ، ولم يقل"وأحاذ" ، وبهذه اللغة جاء القرآن في قوله : ( استحوذ عليهم الشيطان ) .
وأما قوله : " فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، فلا خلاف بينهم في أن معناه : ولن يجعل الله للكافرين يومئذ على المؤمنين سبيلا .
ذكر الخبر عمن قال ذلك :
10714 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن ذر ، عن يسيع الحضرمي قال : كنت عند رضوان الله عليه ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، أرأيت قول الله : " علي بن أبي طالب ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون ؟ قال له علي : ادنه ، ادنه! ثم قال : " فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، يوم القيامة .
10715 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن ذر ، عن يسيع الكندي في قوله : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، قال : جاء رجل إلى فقال : كيف هذه الآية : " علي بن أبي طالب ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ؟ فقال علي : ادنه ، " فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله " ، يوم القيامة ، " للكافرين على المؤمنين سبيلا " .
10716 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن ذر ، عن يسيع الحضرمي ، عن علي بنحوه .
10717 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا غندر ، عن شعبة قال : سمعت [ ص: 328 ] سليمان يحدث ، عن ذر ، عن رجل ، عن علي رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، قال : في الآخرة .
10718 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن عن السدي ، أبي مالك : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، يوم القيامة .
10719 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، ابن عباس : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، قال : ذاك يوم القيامة .
وأما"السبيل" ، في هذا الموضع ، فالحجة ، كما : -
10720 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن في قوله : " السدي ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، قال : حجة .
[ ص: 329 ]