[ ص: 430 ] القول في يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ) تأويل قوله (
يعني تعالى ذكره بقوله : "يستفتونك" ، يسألونك ، يا محمد ، أن تفتيهم في الكلالة .
وقد بينا معنى : "الكلالة" فيما مضى بالشواهد الدالة على صحته ، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين فيه ، فأغنى ذلك عن إعادته ، وبينا أن"الكلالة" عندنا : ما عدا الولد والوالد .
" إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " ، يعني بقوله : "إن امرؤ هلك" ، إن إنسان من الناس مات ، كما : -
10864 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي إن امرؤ هلك " ، يقول : مات .
"ليس له ولد" ذكر ولا أنثى"وله أخت" ، يعني : وللميت أخت لأبيه وأمه ، أو لأبيه"فلها نصف ما ترك" ، يقول : فلأخته التي تركها بعده بالصفة التي وصفنا ، نصف تركته ميراثا عنه ، دون سائر عصبته . وما بقي فلعصبته .
وذكر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم همهم شأن الكلالة ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيها هذه الآية .
[ ص: 431 ]
ذكر من قال ذلك :
10865 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " ، فسألوا عنها نبي الله ، فأنزل الله في ذلك القرآن : " إن امرؤ هلك ليس له ولد " ، فقرأ حتى بلغ : " والله بكل شيء عليم " . قال : وذكر لنا أن رضي الله عنه قال في خطبته : ألا إن الآية التي أنزل الله في أول"سورة النساء" في شأن الفرائض ، أنزلها الله في الولد والوالد . والآية الثانية أنزلها في الزوج والزوجة والإخوة من الأم . والآية التي ختم بها"سورة النساء" ، أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم . والآية التي ختم بها"سورة الأنفال" ، أنزلها في أولي الأرحام ، بعضهم أولى ببعض في كتاب الله مما جرت الرحم من العصبة . أبا بكر الصديق
10866 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن الشيباني ، عن عمرو بن مرة ، عن قال : سعيد بن المسيب النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة ، فقال : أليس قد بين الله ذلك ؟ قال : فنزلت : " عمر بن الخطاب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " . سأل
10867 - حدثنا مؤمل بن هشام أبو هشام قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن قال : حدثنا هشام الدستوائي أبو الزبير ، قال : اشتكيت وعندي تسع أخوات لي أو : سبع ، أنا أشك فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فنفخ في وجهي ، فأفقت وقلت : يا رسول الله ، ألا أوصي لأخواتي بالثلثين ؟ قال : أحسن! قلت : الشطر ؟ قال : أحسن! ثم خرج وتركني ، ثم رجع إلي فقال : [ ص: 432 ] يا جابر بن عبد الله جابر ، إني لا أراك ميتا من وجعك هذا ، وإن الله قد أنزل في الذي لأخواتك فجعل لهن الثلثين . قال : فكان جابر يقول : أنزلت هذه الآية في : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " . عن
10868 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى ابن أبي عدي ، عن عن هشام يعني الدستوائي عن أبي الزبير ، جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
10869 - حدثني المثنى قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن المنكدر ، قال : مرضت ، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني هو جابر بن عبد الله وأبو بكر وهما ماشيان ، فوجدوني قد أغمي علي ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صب علي من وضوئه ، فأفقت فقلت : يا رسول الله ، كيف أقضي في مالي أو : كيف أصنع في مالي ؟ وكان له تسع أخوات ، ولم يكن له والد ولا ولد .
[ ص: 433 ]
قال : فلم يجبني شيئا حتى نزلت آية الميراث : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " إلى آخر السورة قال ابن المنكدر : قال جابر : إنما أنزلت هذه الآية في . عن
وكان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذه الآية هي آخر آية نزلت من القرآن .
ذكر من قال ذلك :
10870 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا قال : حدثنا يحيى بن واضح الحسين بن واقد ، عن أبي إسحاق ، عن قال : سمعته يقول : إن آخر آية نزلت من القرآن : " البراء بن عازب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " .
[ ص: 434 ]
10871 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : آخر آية نزلت من القرآن : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " .
10872 - حدثنا محمد بن خلف قال : حدثنا عبد الصمد بن النعمان قال : حدثنا عن مالك بن مغول ، عن أبي السفر ، البراء قال : آخر آية نزلت من القرآن : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " .
10873 - حدثنا قال : حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني مصعب بن المقدام قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : آخر سورة نزلت كاملة "براءة" ، وآخر آية ، نزلت خاتمة"سورة النساء" : "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " .
[ ص: 435 ]
واختلف في المكان الذي نزلت فيه الآية .
فقال : نزلت في جابر بن عبد الله المدينة . وقد ذكرت الرواية بذلك عنه فيما مضى ، بعضها في أول السورة عند فاتحة آية المواريث ، وبعضها في مبتدأ الأخبار عن السبب الذي نزلت فيه هذه الآية .
وقال آخرون : بل أنزلت في مسير كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
ذكر من قال ذلك :
10874 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن حميد ، عن معمر ، عن أيوب ، ابن سيرين قال : نزلت : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " ، والنبي في مسير له ، وإلى جنبه حذيفة بن اليمان ، فبلغها النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة ، وبلغها حذيفة وهو يسير خلفه . فلما استخلف عمر سأل عنها عمر بن الخطاب حذيفة ، ورجا أن يكون عنده تفسيرها ، فقال له حذيفة : والله إنك لعاجز إن ظننت أن إمارتك تحملني أن أحدثك فيها بما لم أحدثك يومئذ! فقال عمر : لم أرد هذا ، رحمك الله! عن
10875 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين بنحوه إلا أنه قال في حديثه : فقال له حذيفة : والله إنك لأحمق إن ظننت .
10876 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا قال : حدثنا ابن علية ابن عون ، قال : كانوا في مسير ، ورأس راحلة محمد بن سيرين حذيفة عند ردف راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس راحلة عمر عند ردف [ ص: 436 ] راحلة حذيفة . قال : ونزلت : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " ، فلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة ، فلقاها حذيفة عمر . فلما كان بعد ذلك ، سأل عمر عنها حذيفة فقال : والله إنك لأحمق إن كنت ظننت أنه لقانيها رسول الله فلقيتكها كما لقانيها ، والله لا أزيدك عليها شيئا أبدا! قال : وكان عمر يقول : اللهم من كنت بينتها له ، فإنها لم تبين لي . عن
واختلف عن عمر في الكلالة ، فروي عنه أنه قال فيها عند وفاته : "هو من لا ولد له ولا والد" . وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك فيما مضى في أول هذه السورة في آية الميراث .
[ ص: 437 ]
وروي عنه أنه قال قبل وفاته : هو ما خلا الأب .
ذكر من قال ذلك :
10877 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن عن سالم بن أبي الجعد ، معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : : ما أغلظ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو : ما نازعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما نازعته في آية الكلالة ، حتى ضرب صدري وقال : يكفيك منها آية الصيف التي أنزلت في آخر"سورة النساء" : " عمر بن الخطاب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " ، وسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ ومن لا يقرأ ، هو ما خلا الأب كذا أحسب قال قال ابن عرفة قال شبابة : الشك من شعبة .
وروي عنه أنه قال : "إني لأستحيي أن أخالف فيه أبا بكر " ، وكان أبو بكر يقول : "هو ما خلا الولد والوالد" . وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه فيما مضى في أول السورة .
وروي عنه أنه قال عند وفاته : "قد كنت كتبت في الكلالة كتابا ، [ ص: 438 ] وكنت أستخير الله فيه ، وقد رأيت أن أترككم على ما كنتم عليه" ، وأنه كان يتمنى في حياته أن يكون له بها علم .
ذكر من قال ذلك :
10878 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عن محمد بن حميد المعمري ، معمر ، عن الزهري ، عن : سعيد بن المسيب كتب في الجد والكلالة عمر بن الخطاب كتابا ، فمكث يستخير الله فيه يقول : "اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه" ، حتى إذا طعن ، دعا بكتاب فمحي ، فلم يدر أحد ما كتب فيه ، فقال : "إني كنت كتبت في الجد والكلالة كتابا ، وكنت أستخير الله فيه ، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه" . أن
10879 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عن سعيد بن المسيب ، عمر ، بنحوه .
10880 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان قال : حدثنا عمرو بن مرة ، عن قال : قال مرة الهمداني عمر : ثلاث لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بينهن لنا ، أحب إلي من الدنيا وما فيها : الكلالة ، والخلافة ، وأبواب الربا .
[ ص: 439 ]
10881 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام قال : حدثنا الأعمش قال : سمعتهم يذكرون ، ولا أرى إبراهيم إلا فيهم ، عن عمر قال : لأن أكون أعلم الكلالة ، أحب إلي من أن يكون لي مثل جزية قصور الروم .
10882 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام قال : حدثنا الأعمش ، عن عن قيس بن مسلم ، قال : أخذ طارق بن شهاب عمر كتفا وجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : لأقضين في الكلالة قضاء تحدث به النساء في خدورهن! فخرجت حينئذ حية من البيت ، فتفرقوا ، فقال : لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمه .
10883 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا قال : حدثنا ابن علية أبو حيان قال : حدثني الشعبي ، عن ابن عمر قال : سمعت يخطب على منبر المدينة ، فقال : أيها الناس ، ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهدا ينتهى إليه : الجد ، والكلالة ، وأبواب الربا . [ ص: 440 ] عمر بن الخطاب
10884 - حدثني يعقوب قال : حدثنا عن ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، قتادة ، عن عن سالم بن أبي الجعد ، معدان بن أبي طلحة : قال : ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألت عن الكلالة ، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال : تكفيك آية الصيف التي في آخر"سورة النساء" . عمر بن الخطاب أن
10885 - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا عن عبد الله بن بكر السهمي ، سعيد ، عن قتادة ، عن عن سالم بن أبي الجعد ، معدان ، عمر قال : لن أدع شيئا أهم عندي من أمر الكلالة ، فما أغلظ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما أغلظ لي فيها ، حتى طعن بإصبعه في صدري أو قال : في جنبي فقال : تكفيك الآية التي أنزلت في آخر"النساء" . [ ص: 441 ] عن
10886 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عن سالم بن أبي الجعد ، معدان بن أبي طلحة : خطب الناس يوم الجمعة فقال : إني والله ما أدع بعدي شيئا هو أهم إلي من أمر الكلالة ، وقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها ، حتى طعن في نحري وقال : "تكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء" ، وإن أعش أقض فيها بقضية لا يختلف فيها أحد قرأ القرآن . عمر بن الخطاب أن
10887 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن عن سالم بن أبي الجعد ، معدان بن أبي طلحة ، عن بنحوه . عمر بن الخطاب
10888 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت أبي يقول ، أخبرنا أبو حمزة ، عن جابر ، الحسن بن مسروق ، عن أبيه قال : سألت عمر وهو يخطب الناس عن ذي قرابة لي ورث كلالة ، فقال : الكلالة ، الكلالة ، الكلالة !! وأخذ بلحيته ، ثم قال : والله لأن أعلمها أحب إلي من أن يكون لي ما على الأرض من شيء ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف ؟ فأعادها ثلاث مرات . عن
[ ص: 442 ]
10889 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، أبي سلمة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الكلالة ، فقال : ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف : ( وإن كان رجل يورث كلالة ) إلى آخر الآية ؟ عن
10890 - حدثني محمد بن خلف قال : حدثنا إسحاق بن عيسى قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير : أن رجلا سأل عقبة عن الكلالة ، فقال : ألا تعجبون من هذا ؟ يسألني عن الكلالة ، وما أعضل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة !
[ ص: 443 ]
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما وجه قوله جل ثناؤه : " وإن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " ، ولقد علمت اتفاق جميع أهل القبلة ما خلا ابن عباس وابن الزبير رحمة الله عليهما على أن أن لابنته النصف ، وما بقي فلأخته ، إذا كانت أخته لأبيه وأمه ، أو لأبيه ؟ وأين ذلك من قوله : " الميت لو ترك ابنة وأختا ، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " ، وقد ورثوها النصف مع الولد ؟
قيل : إن الأمر في ذلك بخلاف ما ذهبت إليه . إنما جعل الله جل ثناؤه بقوله : " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " ، إذا لم يكن للميت ولد ذكر ولا أنثى ، وكان موروثا كلالة ، النصف من تركته فريضة لها مسماة . فأما إذا كان للميت ولد أنثى ، فهي معها عصبة ، يصير لها ما كان يصير للعصبة غيرها ، لو لم تكن . وذلك غير محدود بحد ، ولا مفروض لها فرض سهام أهل الميراث بميراثهم عن ميتهم . ولم يقل الله في كتابه : "فإن كان له ولد فلا شيء لأخته معه" ، فيكون لما روي عن ابن عباس وابن الزبير في ذلك وجه يوجه إليه . وإنما بين جل ثناؤه ، مبلغ حقها إذا ورث الميت كلالة ، وترك بيان ما لها من حق إذا لم يورث كلالة في كتابه ، وبينه بوحيه على لسان رسوله صلى الله عليه [ ص: 444 ] وسلم ، فجعلها عصبة مع إناث ولد الميت . وذلك معنى غير معنى وراثتها الميت ، إذا كان موروثا كلالة .