قال أبو جعفر : يعني بقوله : " وأن تستقسموا بالأزلام " ، وأن تطلبوا علم ما قسم لكم أو لم يقسم ، بالأزلام .
وهو"استفعلت" من"القسم" قسم الرزق والحاجات . وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو نحو ذلك ، أجال القداح وهي"الأزلام" وكانت قداحا مكتوبا على بعضها : "نهاني ربي" ، وعلى بعضها : "أمرني ربي" فإن خرج القدح الذي هو مكتوب عليه : "أمرني ربي" ، مضى لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك . وإن خرج الذي عليه مكتوب : "نهاني ربي" ، كف عن المضي لذلك وأمسك ، فقيل : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم ، ومنه قول الشاعر مفتخرا بترك الاستقسام بها :
ولم أقسم فتربثني القسوم
وأما"الأزلام" ، فإن واحدها"زلم" ، ويقال : "زلم" ، وهي القداح التي وصفنا أمرها .
[ ص: 511 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
11058 - حدثنا محمد بن بشار قالا حدثنا وابن وكيع عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : القداح ، كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر جعلوا قداحا للجلوس والخروج . فإن وقع الخروج خرجوا ، وإن وقع الجلوس جلسوا .
11059 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : حصى بيض كانوا يضربون بها .
قال أبو جعفر : قال لنا سفيان بن وكيع : هو الشطرنج .
11060 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عباد بن راشد البزار ، عن الحسن في قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا ، يعمدون إلى قداح ثلاثة ، على واحد منها مكتوب : "اؤمرني" ، وعلى الآخر : "انهني" ، ويتركون الآخر محللا بينهما ليس عليه شيء . ثم يجيلونها ، فإن خرج الذي عليه" اؤمرني " مضوا لأمرهم . وإن خرج الذي عليه" انهني " كفوا ، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها .
11061 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، حجارة كانوا يكتبون عليها ، يسمونها"القداح" . [ ص: 512 ]
11062 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "بالأزلام" ، قال : القداح ، يضربون لكل سفر وغزو وتجارة .
11063 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
11064 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عن يحيى بن آدم ، زهير ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كعاب فارس التي يقمرون بها ، وسهام العرب .
11065 - حدثني أحمد بن حازم الغفاري قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا زهير ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : سهام العرب ، وكعاب فارس والروم ، كانوا يتقامرون بها .
11066 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا ، كتب في قدح : "هذا يأمرني بالمكث" و"هذا يأمرني بالخروج" ، وجعل معهما منيحة . شيء لم يكتب فيه شيئا ، ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج . فإن خرج الذي يأمر بالمكث مكث ، وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج ، وإن خرج الآخر أجالها ثانية حتى يخرج أحد القدحين .
11067 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، وكان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم خروجا ، أخذ [ ص: 513 ] قدحا فقال : "هذا يأمر بالخروج" ، فإن خرج فهو مصيب في سفره خيرا ، ويأخذ قدحا آخر فيقول : "هذا يأمر بالمكوث" ، فليس يصيب في سفره خيرا ، و"المنيح" بينهما . فنهى الله عن ذلك وقدم فيه .
11068 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كانوا يستقسمون بها في الأمور .
11069 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "الأزلام" ، قداح لهم . كان أحدهم إذا أراد شيئا من تلك الأمور كتب في تلك القداح ما أراد ، فيضرب بها ، فأي قدح خرج وإن كان أبغض تلك ارتكبه وعمل به .
11070 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : "الأزلام" ، قداح كانت في الجاهلية عند الكهنة ، فإذا أراد الرجل أن يسافر ، أو يتزوج ، أو يحدث أمرا ، أتى الكاهن فأعطاه شيئا ، فضرب له بها . فإن خرج منها شيء يعجبه ، أمره ففعل . وإن خرج منها شيء يكرهه ، نهاه فانتهى ، كما ضرب السدي عبد المطلب على زمزم ، وعلى عبد الله والإبل .
11071 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج عبد الله بن كثير قال : سمعنا أن أهل الجاهلية كانوا يضربون بالقداح في الظعن والإقامة أو الشيء يريدونه ، فيخرج سهم الظعن فيظعنون ، والإقامة فيقيمون .
وقال ابن إسحاق في"الأزلام" ، ما : -
11072 - حدثني به ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : [ ص: 514 ] كانت هبل أعظم أصنام قريش بمكة ، وكانت على بئر في جوف الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة . وكانت عند هبل سبعة أقدح كل قدح منها فيه كتاب . قدح فيه : "العقل" إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ، ضربوا بالقداح السبعة ، [ فإن خرج العقل ، فعلى من خرج حمله ] وقدح فيه : "نعم" للأمر إذا أرادوه ، يضرب به ، فإن خرج قدح"نعم" عملوا به . وقدح فيه : "لا" ، فإذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح ، فإذا خرج ذلك القدح ، لم يفعلوا ذلك الأمر . وقدح فيه : "منكم" . وقدح فيه : "ملصق" . وقدح فيه : "من غيركم" . وقدح فيه : "المياه" ، إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح ، فحيثما خرج عملوا به . وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما أو أن ينكحوا منكحا ، أو أن يدفنوا ميتا ، أو شكوا في نسب واحد منهم ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم ، وبجزور ، فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها ، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثم قالوا : "يا إلهنا ، هذا فلان بن فلان ، قد أردنا به كذا وكذا ، فأخرج الحق فيه" . ثم يقولون لصاحب القداح : "اضرب" ، فيضرب ، فإن - [ خرج عليه"منكم" كان وسيطا . وإن ] خرج عليه : "من غيركم" ، كان حليفا وإن خرج"ملصق" كان على منزلته منهم ، لا نسب له ولا حلف ، [ ص: 515 ] وإن خرج فيه شيء سوى هذا مما يعملون به"نعم" ، عملوا به . وإن خرج"لا" ، أخروه عامهم ذلك حتى يأتوا به مرة أخرى . ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح .
11073 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، يعني : القداح ، كانوا يستقسمون بها في الأمور .