قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض أهل مكة ، والبصرة والكوفة : ( قاسية ) بالألف
على تقدير"فاعلة" من"قسوة القلب" ، من قول القائل : "قسا قلبه ، فهو يقسو وهو قاس" ، وذلك إذا غلظ واشتد وصار يابسا صلبا كما قال الراجز :
وقد قسوت وقست لداتي
فتأويل الكلام على هذه القراءة : فلعنا الذين نقضوا عهدي ولم يفوا بميثاقي من بني إسرائيل ، بنقضهم ميثاقهم الذي واثقوني"وجعلنا قلوبهم قاسية" ، [ ص: 127 ] غليظة يابسة عن الإيمان بي ، والتوفيق لطاعتي ، منزوعة منها الرأفة والرحمة .
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( وجعلنا قلوبهم قسية ) .
ثم اختلف الذين قرءوا ذلك كذلك في تأويله .
فقال بعضهم : معنى ذلك معنى"القسوة " ، لأن "فعيلة" في الذم أبلغ من "فاعلة" ، فاخترنا قراءتها "قسية" على "قاسية" لذلك .
وقال آخرون منهم : بل معنى "قسية" غير معنى "القسوة" ، وإنما "القسية" في هذا الموضع : القلوب التي لم يخلص إيمانها بالله ، ولكن يخالط إيمانها كفر ، كالدراهم "القسية" ، وهي التي يخالط فضتها غش من نحاس أو رصاص وغير ذلك ، كما قال أبو زبيد الطائي :
لها صواهل في صم السلام كما صاح القسيات في أيدي الصياريف
يصف بذلك وقع مساحي الذين حفروا قبر عثمان على الصخور ، وهي "السلام" .
قال أبو جعفر : وأعجب القراءتين إلي في ذلك ، قراءة من قرأ : ( وجعلنا قلوبهم قسية ) على"فعيلة" ، لأنها أبلغ في ذم القوم من "قاسية" . وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله : "فعيلة" من "القسوة" ، كما قيل : "نفس زكية" و"زاكية" ، و"امرأة شاهدة" و"شهيدة" ، لأن الله جل ثناؤه وصف القوم بنقضهم ميثاقهم وكفرهم به ، ولم يصفهم بشيء من الإيمان ، فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيمانها يخالطه كفر ، كالدراهم القسية التي يخالط فضتها غش .