القول في تأويل قوله ( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ( 30 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "فطوعت" فآتته وساعدته عليه .
وهو "فعلت" من "الطوع" ، من قول القائل : "طاعني هذا الأمر" ، إذا انقاد له .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويله .
فقال بعضهم ، معناه : فشجعت له نفسه قتل أخيه .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 221 ]
11742 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، ومحمد بن حميد قالا : حدثنا عن حكام بن سلم ، عنبسة ، عن عن ابن أبي ليلى ، القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : "فطوعت له نفسه" ، قال : شجعت .
11743 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فطوعت له نفسه" قال : فشجعته .
11744 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فطوعت له نفسه قتل أخيه" ، قال : شجعته على قتل أخيه .
وقال آخرون : معنى ذلك : زينت له .
ذكر من قال ذلك :
11745 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فطوعت له نفسه" ، قال : زينت له نفسه قتل أخيه فقتله .
ثم اختلفوا في صفة قتله إياه ، كيف كانت؟ والسبب الذي من أجله قتله .
فقال بعضهم : وجده نائما فشدخ رأسه بصخرة .
ذكر من قال ذلك :
11746 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن فيما ذكر ، عن السدي أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس [ ص: 222 ] وعن مرة ، عن عبد الله وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فطوعت له نفسه قتل أخيه " فطلبه ليقتله ، فراغ الغلام منه في رءوس الجبال . وأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له في جبل ، وهو نائم ، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه ، فمات ، فتركه بالعراء .
وقال بعضهم ما : -
11747 - حدثني محمد بن عمر بن علي قال : سمعت أشعث السجستاني يقول : سمعت قال : ابن ابن جريج آدم الذي قتل صاحبه لم يدر كيف يقتله ؟ فتمثل إبليس له في هيئة طير ، فأخذ طيرا فقطع رأسه ، ثم وضعه بين حجرين فشدخ رأسه ، فعلمه القتل .
11748 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قال : قتله حيث يرعى الغنم ، فأتاه فجعل لا يدري كيف يقتله؟ فلوى برقبته وأخذ برأسه ، فنزل إبليس وأخذ دابة أو طيرا ، فوضع رأسه على حجر ، ثم أخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه ، وابن ابن جريج آدم القاتل ينظر . فأخذ أخاه فوضع رأسه على حجر ، وأخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه .
11749 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا رجل سمع يقول ، فذكر نحوه . مجاهدا
11750 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أكلت النار قربان ابن آدم الذي تقبل قربانه ، قال الآخر لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبل منك ، ورد علي؟ والله لا تنظر الناس إلي وإليك وأنت خير [ ص: 223 ] مني! فقال : "لأقتلنك" ، فقال له أخوه : ما ذنبي؟" إنما يتقبل الله من المتقين " . فخوفه بالنار ، فلم ينته ولم ينزجر" فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين " .
11751 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قال : أخبرني ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم ، قال : أقبلت مع سعيد بن جبير أرمي الجمرة ، وهو متقنع متوكئ على يدي ، حتى إذا وازينا بمنزل سمرة الصواف ، وقف يحدثني عن ابن عباس قال : نهى أن ينكح المرأة أخوها تؤمها ، وينكحها غيره من إخوتها . وكان يولد في كل بطن رجل وامرأة . فولدت امرأة وسيمة ، وولدت امرأة دميمة قبيحة . فقال أخو الدميمة : أنكحني أختك وأنكحك أختي . قال : لا أنا أحق بأختي . فقربا قربانا ، فتقبل من صاحب الكبش ، ولم يتقبل من صاحب الزرع ، فقتله . فلم يزل ذلك الكبش محبوسا عند الله عز وجل حتى أخرجه في فداء إسحاق ، فذبحه على هذا الصفا في ثبير ، عند منزل سمرة الصواف ، وهو على يمينك حين ترمي الجمار قال وقال آخرون بمثل هذه القصة . قال : فلم يزل بنو ابن جريج ، آدم على ذلك حتى مضى أربعة آباء ، فنكح ابنة عمه ، وذهب نكاح الأخوات .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله عز ذكره قد أخبر عن القاتل أنه قتل أخاه ، ولا خبر عندنا يقطع العذر بصفة قتله إياه . وجائز أن يكون على نحو ما قد ذكر في خبره وجائز أن يكون كان على [ ص: 224 ] ما ذكره السدي مجاهد ، والله أعلم أي ذلك كان . غير أن القتل قد كان لا شك فيه .
وأما قوله : "فأصبح من الخاسرين" ، فإن تأويله : فأصبح القاتل أخاه من ابني آدم ، من حزب الخاسرين ، وهم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم ، بإيثارهم إياها عليها ، فوكسوا في بيعهم ، وغبنوا فيه ، وخابوا في صفقتهم .