القول في تأويل قوله ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ( 52 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده " ، فلعل الله أن يأتي بالفتح .
ثم اختلفوا في تأويل"الفتح " في هذا الموضع .
فقال بعضهم : عني به ههنا ، القضاء .
ذكر من قال ذلك :
12172 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فعسى الله أن يأتي بالفتح " ، قال : بالقضاء .
وقال آخرون : عني به فتح مكة .
ذكر من قال ذلك :
12173 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن : " السدي فعسى الله أن يأتي بالفتح " ، قال : فتح مكة .
و"الفتح " في كلام العرب هو القضاء ، كما قال قتادة ، ومنه قول الله تعالى [ ص: 406 ] ذكره : ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) [ سورة الأعراف : 89 ] .
وقد يجوز أن يكون ذلك القضاء الذي وعد الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله : "فعسى الله أن يأتي بالفتح " فتح مكة ، لأن ذلك كان من عظيم قضاء الله ، وفصل حكمه بين أهل الإيمان والكفر ، ومقررا عند أهل الكفر والنفاق ، أن الله معلي كلمته وموهن كيد الكافرين .
وأما قوله : "أو أمر من عنده " ، فإن كان يقول في ذلك ، ما : - السدي
12174 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن : "أو أمر من عنده " قال : " الأمر " ، الجزية . السدي
وقد يحتمل أن يكون "الأمر " الذي وعد الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتي به هو الجزية ، ويحتمل أن يكون غيرها . غير أنه أي ذلك كان ، فهو مما فيه إدالة المؤمنين على أهل الكفر بالله وبرسوله ، ومما يسوء المنافقين ولا يسرهم . وذلك أن الله تعالى ذكره قد أخبر عنهم أن ذلك الأمر إذا جاء ، أصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين .
وأما قوله : " فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " ، فإنه يعني هؤلاء المنافقين الذين كانوا يوالون اليهود والنصارى . يقول تعالى ذكره : لعل الله أن يأتي بأمر من عنده يديل به المؤمنين على الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر ، فيصبح هؤلاء المنافقون على ما أسروا في أنفسهم من مخالة اليهود والنصارى ومودتهم ، وبغضة المؤمنين ومحادتهم ، "نادمين " ، كما : - [ ص: 407 ]
12175 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " ، من موادتهم اليهود ، ومن غشهم للإسلام وأهله .